اليقين - السيد ابن طاووس - الصفحة ٢٩٩
أحسن أصفه، فرفعني الرفرف بإذن الله إلى ربي فصرت عنده وانقطع عني أصوات الملائكة ودويهم وذهبت عني المخاوف والنزعات (7) وهدأت نفسي واستبشرت وظننت أن جميع الخلائق قد ماتوا أجمعين، ولم أر عندي أحدا من خلقه.
فتركني ما شاء الله ثم رد علي روحي فأفقت فكان توفيقا من ربي عز وجل أن غمضت عيني وكل بصري وغشيني عن النظر (8)، فجعلت أبصر بقلبي كما أبصر بعيني بل أبعد وأبلغ، فذلك قوله عز وجل: * (ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى) * (9). وإنما كنت أرى في مثل مخيط الإبرة ونور بين يدي ربي لا تطيقه الأبصار.
فناداني ربي جل وعز فقال تبارك وتعالى: يا محمد، قلت: لبيك ربي وسيدي وإلهي، لبيك. قال: هل عرفت قدرك عندي ومنزلتك وموضعك؟
قلت: نعم يا سيدي. قال: يا محمد، هل عرفت موقفك مني وموضع ذريتك؟ قلت: نعم يا سيدي.
قال: فهل تعلم يا محمد، فيم اختصم الملأ الأعلى؟ فقلت: يا رب، أنت أعلم وأحكم وأنت علام الغيوب. قال: اختصموا في الدرجات والحسنات، فهل تدري ما الدرجات والحسنات؟ قلت: أنت أعلم يا سيدي وأحكم. قال: إسباغ الوضوء في المكروهات والمشي على الأقدام إلى الجمعات (10) معك ومع الأئمة من ولدك وانتظار الصلاة بعد الصلاة وإفشاء السلام وإطعام الطعام والتهجد بالليل والناس نيام.

(7) في البحار وق خ ل: الروعات.
(8) في البحار وم: غشى عن النظر، وفي ق: غشي عني النظر.
(9) سورة النجم: الآيات 18 - 17.
(10) ق خ ل: الجهادات.
(٢٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 ... » »»