إلى حلاوة ما وعدتها فراعنتها، ولم يكن قد خطر ببالها أن هذه الوعود زائفة سوف تكون هبأ منثورا، وهي وان تحققت فلم تكن الدنيا قد بقيت لاحد، ولو بقي عليها أحد لكانت للأنبياء أحق بالبقاء وأولى بالرضا، غير أن الله خلق الدنيا للبلاء، وخلق أهلها للفناء، فجديدها بال، ونعيمها مضمحل، وسرورها مكفهر، فتمادت في غيها واصرارها، وآثرت أطمار الذلة وفي ظل الجبابرة.
وكانت نتيجة تكالب ذلك الدجل والنفاق قد زلزلت الأفئدة، وخيل للناس كأن الشمس قد كسفت، وان النجوم قد غارت وتناثرت، وان السماء تمطر دما، وهواتف الجن يسمعونها من كل جانب صارخة: لقد قتلتم ابن نبيكم، واستأصلتم عترة رسولكم، فانتظروا العذاب والخزي في الدنيا والآخرة.
أما صاحب هذه الذكرى الخالدة فد احتل كل قلب يبتسم للحق والخير والعدالة ونصرة الضعيف والمظلوم، ويحقد على الظالمين والطغاة المستبدين والخونة والمنافقين، ويضحي في سبيل الله - تعالى بنفسه وبكل ما يملك من مال وبنين.
ومهدت له الأرض التي تشرفت بوط قدمه لها مرقدا مباركا يفد إليه المسلمون من كل فج عميق لتبقى قصة آلامه المثيرة حديث الأجيال والأعوام.
بيد ان الستار لم يسدل حتى تتبدل الأرض ومن عليها فقد قيض الله تعالى رجالا ونسأ لدحض الباطل وأعلا كلمته.
فلم تمض بطلة الرسالة الطاهرة الا بعد أن أفسدت على الطغاة المستهترين لذة النصر، وسكبت قطرات من السم الزعاف في كؤوس الظافرين، فكانت لهم فرحة لم تطل، وكان نصرا مؤقتا لم يلبث أن