ثم يقول لهم في الآية الأولى: إنها لا تدل على ما ذكرتم، لان معناها: " إن يأتكم نبأ رسل كانوا من قبلكم وكانوا يقصون دلالاتي وآياتي لأممهم، وقد أنزلت عليكم فمن عمل بأوامره وانتهى عن زواجره، فلا خوف عليه ولا حزن له ".
فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه كقوله تعالى: ﴿واسأل القرية﴾ (١).
والايجاز في الكلام من أعجب البراعة، وفصاحة القرآن من أغرب البلاغة، ومن نظر في هذا الخطاب يعلم منه ما ذكرنا، ولا يتذكر إلا أولوا الألباب.
ويؤيد صحة ما ذكرناه الآية التي بعدها، وهي قوله تعالى: ﴿والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون﴾ (2).
وهذا وعيد لامة محمد صلى الله عليه وآله ولا خلاف أنه للماضي دون الاستقبال.
ومعناه: فكل أمة من أمم هؤلاء الرسل كذبوهم بسبب تلك الآيات، واستكبروا عن قبول تلك المعجزات، فقد صاروا أصحاب النار، فان كنتم مثلهم ولا تقبلونها فتكونوا أيضا من أهل النار ".
على أن هذا الخطاب، وإن كان على الاستقبال - والمراد به الماضي على ما ذكرنا - لما خصه نبينا صلى الله عليه وآله بقوله " لا نبي بعدي " وتخصيص القرآن بالسنة جائز شائع.
وفيه جواب آخر وهو أن هذا يقال لهم يوم القيامة: " يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم " كما قال تعالى في موضع آخر: (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا) (3).