ممسكة عنكم إلى أن تدخلوا منازلكم.
فما زالت السحابة ممسكة إلى أن قربوا من منازلهم، ثم جاءت بوابل المطر فملأت الأودية، وجعل الناس يقولون: هنيئا لولد رسول الله صلى الله عليه وآله كرامات الله لهم.
وقد قال لهم الرضا عليه السلام حين قد برز لهم وهم حضور: اتقوا الله أيها الناس في نعم الله عليكم، فلا تنفروها عنكم بمعاصيه، بل استديموها بطاعته وشكره على نعمه وأياديه، واعلموا أنكم لم تشكروا الله بشئ - بعد الايمان بالله ورسوله، وبعد الاعتراف بحقوق أولياء الله من آل محمد - أحب إليكم في الله من معاونتكم لاخوانكم المؤمنين على دنياهم التي هي معبر لهم إلى جنان ربهم، فان من فعل ذلك كان من خاصة الله.
ثم إن المأمون سمع بذلك، وقال له [بعض] خواصه: جئت بهذا الساحر قد ملا الدنيا مخرقة بهذا المطر. فقعد من الغد للناس، فقال حاجبه: يا ابن موسى لقد عدوت طورك أن بعث الله بمطر مقدور في وقته، فان كنت صادقا فأحي [لنا] هذين.
وأشار إلى أسدين مصورين على مسند المأمون.
فصاح الرضا عليه السلام بالصورتين: دونكما الفاجر، فافترساه، ولا تبقيا له عينا ولا أثرا.
فوثبت الصورتان، وقد عادتا أسدين، فتناولا الحاجب ورضضاه وهشماه وأكلاه والقوم ينظرون متحيرين. فلما فرغا، أقبلا على الرضا عليه السلام فقالا: يا ولي الله في أرضه ماذا تأمرنا أن نفعل به؟ يشيران إلى المأمون، فغشي على المأمون مما سمع.
فقال الرضا عليه السلام: قفا. فوقفا، ثم قال الرضا عليه السلام: صبوا عليه ماء ورد. ففعل به، فأفاق وعاد الأسدان يقولان: أتأذن لنا أن نلحقه بصاحبه؟ فقال: لا، فان لله أمرا (1) هو ممضيه.
وقال: عودا إلى مقركما كما كنتما. فعادا إلى المسند، وصارا صورتين كما كانتا.
فقال المأمون: الحمد لله الذي كفاني شر حميد بن مهران - يعني الرجل المفترس - (2)