اجمع عليها جماعة من الخياطين، واعمد على الفراغ منها يومك هذا وبكر بها إلي في هذا الوقت. ثم نظر إلي وقال: يا يحيى اقضوا وطركم (1) من المدينة في هذا اليوم، واعمل على الرحيل غدا في هذا الوقت.
قال: فخرجت من عنده وأنا أتعجب منه من الخفاتين، وأقول في نفسي: نحن في تموز وحر الحجاز وإنما بيننا وبين العراق مسيرة عشرة أيام (2) فما يصنع بهذه الثياب؟! ثم قلت في نفسي: هذا رجل لم يسافر، وهو يقدر أن كل سفر يحتاج فيه إلى هذه الثياب، وأتعجب من الرافضة حيث يقولون بإمامة هذا مع فهمه هذا.
فعدت إليه في الغد في ذلك الوقت، فإذا الثياب قد أحضرت، فقال لغلمانه:
ادخلوا وخذوا لنا معكم لبابيد وبرانس (3). ثم قال: ارحل يا يحيى.
فقلت: في نفسي وهذا أعجب من الأول، أيخاف أن يلحقنا الشتاء في الطريق حتى أخذ معه اللبابيد والبرانس؟
فخرجت وأنا أستصغر فهمه! فسرنا حتى وصلنا إلى موضع (4) المناظرة في القبور ارتفعت سحابة واسودت، وأرعدت، وأبرقت حتى إذا صارت على رؤوسنا أرسلت علينا بردا (5) مثل الصخور وقد شد على نفسه وعلى غلمانه الخفاتين ولبسوا اللبابيد والبرانس، وقال لغلمانه: ادفعوا إلى يحيى لبادة وإلى الكاتب برنسا. وتجمعنا والبرد يأخذنا حتى قتل من أصحابي ثمانين رجلا وزالت ورجع الحر كما كان.