الخرائج والجرائح - قطب الدين الراوندي - ج ١ - الصفحة ٢٠٥
فقال له الصحابة: ما لقيت يا أبا الحسن؟ فلقد كدنا أن نهلك خوفا، وأشفقنا عليك.
فقال عليه السلام لهم: إنه لما تراءى لي العدو، جهرت فيهم بأسماء الله [تعالى] فتضاءلوا وعلمت ما حل بهم من الجزع، فتوغلت الوادي غير خائف منهم، ولو بقوا على هيأتهم لاتيت على آخرهم، وقد كفى الله كيدهم، وكفى المؤمنين شرهم، وقد سبقتني بقيتهم إلى النبي صلى الله عليه وآله. فانصرف، ودعا له النبي صلى الله عليه وآله، وقال:
قد سبقك إلي يا علي من أخافه الله بك فأسلم. ثم قطعوا الوادي آمنين. (2)

(١) عنه البحار: ٣٩ / ١٧٥ ح ١٨ وعن الارشاد: ١٩٦ برواية محمد بن أبي السرى التميمي، عن أحمد بن الفرج، عن الحسن بن موسى الهندي، عن أبيه، عن وبرة بن الحارث، عن ابن عباس، وعن مناقب ابن شهرآشوب: ١ / ٣٥٨ (واللفظ للأول) وأخرجه في البحار: ٦٣ / ٨٦ ح ٤٢ عن، الارشاد وإعلام الورى: ١٨٠.
قال الشيخ المفيد (ره):
وهذا الحديث قد روته العامة كما روته الخاصة، ولم يتناكروا شيئا منه. والمعتزلة لميلها إلى مذهب البراهمة تدفعه، ولبعدها من معرفة الاخبار تنكره، وهي سالكة في ذلك طريق الزنادقة فيما طعنت به في القرآن، وما تضمنه من أخبار الجن وايمانهم بالله ورسوله، وما قص الله تعالى في نبأهم في القرآن في سورة الجن وقولهم: " إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به " الجن: ١ إلى آخر ما تضمنه الخبر عنهم في هذه السورة.
وإذا بطل اعتراض الزنادقة في ذلك بتجويز العقول وجود الجن وإمكان تكليفهم وثبوت ذلك مع إعجاز القرآن والأعجوبة الباهرة فيه، كان مثل ذلك ظهور بطلان طعون المعتزلة في الخبر الذي رويناه لعدم استحالة مضمونه في العقول، وفي مجيئه من طريقين مختلفين وبرواية فريقين في دلالته متباينين برهان صحته.
وليس في إنكار من عدل عن الانصاف في النظر من المعتزلة والمجبرة قدح فيما ذكرناه من وجوب العمل عليه، كما أنه ليس في جحد الملاحدة وأصناف الزنادقة واليهود والنصارى والمجوس والصابئين ما جاء صحته من الاخبار بمعجزات النبي صلى الله عليه وآله كانشقاق القمر، وحنين الجذع، وتسبيح الحصى في كفه، وشكوى البعير. وكلام الذراع، ومجئ الشجرة، وخروج الماء من بين أصابعه في الميضاة، واطعام الخلق الكثير من الطعام القليل قدح في صحتها، وصدق روايتها وثبوت الحجة بها، بل الشبهة لهم في دفع ذلك و إن ضعفت أقوى من شهبة منكري معجزات أمير المؤمنين عليه السلام وبراهينه لما لا خفاء على أهل الاعتبار به مما لا حاجة بنا إلى شرح وجوهه في هذا المكان.
فإذا ثبت تخصيص أمير المؤمنين عليه السلام من القوم بما وصفناه وبينونته من الكافة في العلم بما شرحناه، وضح القول في الحكم له بالتقدم على الجماعة في مقام الإمامة واستحقاقه السبق لهم في محل الرياسة بما تضمنه الذكر الحكيم من قصة داود عليه السلام وطالوت حيث يقول جل اسمه: " وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال:
إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم " البقرة: ٢٤٧.
فجعل الله تعالى الحجة لطالوت في تقدمه على الجماعة من قومه ما جعله حجة لوليه وآخى بينهما عليهما السلام في التقدم على كافة الأمة من الاصطفاء عليهم وزيادته في العلم والجسم بسطة، وأكد ذلك بمثل ما تأكد به الحكم لأمير المؤمنين عليه السلام من المعجز الباهر المضاف إلى البينونة من القوم بزيادة البسطة في العلم والجسم فقال سبحانه وتعالى: " وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين ".
البقرة: ٢٤٨.
وكان خرق العادة لأمير المؤمنين عليه السلام بما عددناه من علم الغيوب، وغير ذلك كخرق العادة لطالوت بحمل التابوت، سواء، وهذا بين، والله ولي التوفيق.
ولا أزال أجد الجاهل من الناصبة والمعاند يظهر التعجب من الخبر بملاقاة أمير المؤمنين عليه السلام الجن وكفه شرهم عن النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه ويتضاحك لذلك وينسب الرواية له إلى الخرافات الباطلة، ويضع مثل ذلك في الأخبار الواردة بسوى ذلك من معجزاته عليه السلام يقول إنها من موضوعات الشيعة وتخرص من افتراه منهم للتكسب بذلك، أو التعصب.
وهذا بعينه مقال الزنادقة كافة وأعداء الاسلام فيما نطق به القرآن من خبر الجن وإسلامهم في قوله: " إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد ".
وفيما ثبت به الخبر عن ابن مسعود في قصة ليلة الجن ومشاهدته لهم كالزط، وفي غير ذلك من معجزات الرسول صلى الله عليه وآله وأنهم يظهرون التعجب من جميع ذلك، ويتضاحكون عند سماع الخبر به، والاحتجاج بصحته، ويستهزؤون ويلغطون فيما يسرفون به من سب الاسلام وأهله، واستحماق معتقديه والناصرين له، ونسبتهم إياهم إلى العجز والجهل ووضع الأباطيل.
فلينظر القوم ما جنوه على الاسلام بعداوتهم لأمير المؤمنين عليه السلام واعتمادهم في دفع فضائله ومناقبه وآياته على ما ضاهوا به أصناف الزنادقة والكفار، مما يخرج عن طريق الحجاج إلى أبواب الشغب والمسافهات. وبالله نستعين.
(٢٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 207 208 209 210 211 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة التحقيق 3
2 مقدمة المؤلف 17
3 فهرس الأبواب 19
4 الباب الأول في معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وآله 21
5 فصل في أقسام معجزات النبي محمد صلى الله عليه وآله 22
6 فص من روايات العامة في معجزاته صلى الله عليه وآله 23
7 فصل فيما ذكر فيه نبينا محمد صلى الله عليه وآله في الكتب المتقدمة 73
8 فصل من روايات الخاصة في معجزاته صلى الله عليه وآله 83
9 الباب الثاني في معجزات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام 171
10 الباب الثالث في معجزات الإمام الحسن بن علي عليهما السلام 236
11 الباب الرابع في معجزات الإمام الحسين بن علي عليهما السلام 245
12 الباب الخامس في معجزات الإمام علي بن الحسين عليهما السلام 255
13 الباب السادس في معجزات الإمام محمد بن علي الباقر عليهما السلام 272
14 الباب السابع في معجزات الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام 294
15 الباب الثامن في معجزات الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام 307
16 الباب التاسع في معجزات الإمام على بن موسى الرضا عليهما السلام 337
17 الباب العاشر في معجزات الإمام محمد بن علي الجواد عليهما السلام 372
18 الباب الحادي عشر في معجزات الإمام علي بن محمد عليهما السلام 392
19 الباب الثاني عشر في معجزات الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام 420
20 الباب الثالث عشر في معجزات الإمام الحجة بن الحسن العسكري عليهما السلام 455