ان كل مجتهد مصيب (قال) شيخنا المفيد رضي الله عنه كنت أقبلت في مجلس على جماعة من متفقهة العامة فقلت لهم ان أصلكم الذي تعتمدون عليه في تسويغ الاختلاف (يحظر عليكم المناظرة ويمنعكم من الفحص والمباحثة واجتماعكم على المناظرة يناقض أصولكم في الاجتهاد وتسويغ الاختلاف) فاما ان تكونوا مع حكم أصولكم فيجب ان ترفعوا النظر من بينكم وتلزموا الصمت وأما ان تختاروا المناظرة وتؤثروها على المتاركة فيجب ان تهجروا القول بالاجتهاد وتتركوا مذاهبكم في الرأي وجواز الاختلاف ولابد من ذلك ما أنصفتم وعرفتم طريق الاستدلال فقال أحد القوم لم زعمت أن الامر كما وصفت ومن أين وجب ذلك قال شيخنا رضي الله عنه فقلت له على البيان عن ذلك والبرهان عليه حتى لا نحمل على أحد من العقلاء أليس من قولكم ان الله تعالى سوغ خلقه الاختلاف في الاحكام المتوسعة عليهم ودفع الحرج عنهم رحمة منه لهم ورفقا بهم وان لو ألزمهم الاتفاق في الاحكام وحظر عليهم الاختلاف لكان مضيقا عليهم معنتا لهم والله يتعالى عن ذلك حتى أكدتم هذا المقال بما رويتموه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال اختلاف أمتي رحمة وحملتم معنى هذا الكلام على وفاق ما ذهبتم إليه في تسويغ الاختلاف قال بلى فما الذي يلزمنا على هذا القول قال شيخنا رحمه الله قلت له فخبرني الان عن موضع المناظرة أليس انما هو التماس الموافقة ودعاء الخصم بالحجة الواضحة إلى الانتقال إلى موضع الحجة وتتغير له عن الإقامة على ضد ما عليه البرهان قال لا ليس هذا موضوع المناظرة وإنما موضوعها لإقامة الحجة والإبانة عن رجحان المقالة فقط قال الشيخ فقلت له وما الغرض في إقامة الحجة والبرهان على الرجحان وما الذي يجرانه إلى ذلك والمعنى الملتمس به أهو تبعيد الخصم من موضع الرجحان والتنفير له عن المقالة بايضاح حجتها أم الدعوة إليها بذلك واللطف في الاجتذاب إليها به فإن قلت إن الفرض للمحتج التبعيد عن قوله بايضاح الحجة عليه والتنفير عنه بإقامة الدلالة على صوابه قلت قولا يرغب عنه كل عاقل ولا يحتاج معه لتهافته إلى كسره وان قلت إن الموضح عن مذهبه بالبرهان داع إليه بذلك والدال عليه بالحجج البينات يجتذب بها إلى اعتقاده ضرب بهذا القول وهو الحق الذي لا شبهته فيه إلى ما أردناه من أن موضوع المناظرة إنما هو للموافقة ورفع الاختلاف والمنازعة وإذا كان ذلك كذلك فلو حصل الغرض في المناظرة وما اجرى بها عليه لارتفعت الرحمة وسقطت التوسعة وعدم الرفق من الله تعالى بعباده ووجب في صفة العنت والتضييق وذلك ضلال من قائله فلابد على أصلكم في الاختلاف من تحريم النظر والحجاج وإلا فمتى صح ذلك وكان أولي من تركه فقد
(٢٩٨)