السماء نظر غضبان يبين الغضب في وجهه.
فلما نظر هشام إلى ذلك من أبي قال له: إلي يا محمد.
فصعد أبي إلى السرير وأنا أتبعه.
فلما دنا من هشام قام إليه فاعتنقه وأقعده عن يمينه، ثم اعتنقني، وأقعدني عن يمين أبي، وأقبل على أبي بوجهه، فقال له:
يا محمد، لا تزال العرب تسودها قريش ما دام فيهم مثلك، لله درك! من علمك هذا الرمي؟ وفي كم تعلمته؟.
فقال له أبي: قد علمت أن أهل المدينة يتعاطونه فتعاطيته أيام حداثتي (١).
ثم تركته، فلما أراد أمير المؤمنين مني ذلك عدت فيه.
فقال له: ما رأيت مثل هذا الرمي قط مذ عقلت! وما ظننت أن في الأرض أحدا يرمي مثل هذا الرمي! أين رمي جعفر من رميك؟
فقال: إنا نحن نتوارث الكمال والتمام والدين [إذ] (٢) أنزل (٣) الله على نبيه صلى الله عليه وآله في قوله ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا﴾ (4) والأرض لا تخلو ممن يكمل هذه الأمور التي يقصر عنها غيرنا.
قال: فلما سمع ذلك من أبي نقلت عينه اليمنى فاحولت، واحمر وجهه، وكان ذلك علامة غضبه إذا غضب، ثم أطرق هنيئة، ثم رفع رأسه، فقال لأبي:
ألسنا بنو عبد مناف، نسبنا ونسبكم واحد؟! فقال أبي: ونحن كذلك، ولكن الله جل ثناؤه اختصنا من مكنون سره وخالص علمه (5) بما لم يخص أحدا به غيرنا.
فقال: أليس الله جل ثناؤه بعث محمدا صلى الله عليه وآله من شجرة عبد مناف إلى الناس