أبن قولويه قال: لما وصلت بغداد في سنة سبع وثلاثين للحج - وهي السنة التي رد القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت - كان أكثر همي رؤية من ينصب الحجر، لأنه مضى علي في أثناء الكتب قصة أخذه، وانه ينصبه مكانه الحجة في الزمان، كما في زمان الحجاج وضعه زين العابدين عليه السلام في مكانه واستقر، فاعتللت علة صعبة خفت منها على نفسي، ولم يتهيأ لي ما قصدته، فاستنبت المعروف بابن هشام، وأعطيته رقعة مختومة أسال فيها عن مدة عمري، وهل يكون الموتة في هذه العلة أم لا؟ وقلت: همي إيصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه، وأخذ جوابه، وإنما أندبك لهذا.
قال: فقال المعروف بابن هشام: لما حصلت بمكة، وعزم الناس على إعادة الحجر، بذلت لسدنة البيت جملة تمكنت معها من الكون بحيث أرى وضع الحجر في مكانه، فأقمت معي منهم من يمنع عني ازدحام الناس، فكلما عمد انسان لوضعه اضطرب ولم يستقم.
فاقبل غلام أسمر اللون، حسن الوجه، فتناوله ووضعه في مكانه، فاستقام كأنه لم يزل عنه، وعلت لذلك الأصوات، فانصرف خارجا من الباب، فنهضت من مكاني أتبعه، وأدفع الناس يمينا وشمالا حتى ظن بي الاختلاط في العقل، والناس يفرجون لي، وعيني لا تفارقه حتى انقطع عن الناس، فكنت أسرع الشد خلفه، وهو يمشي على تؤدة السير ولا أدركه فلما حصل بحيث لا يراه أحد غيري، وقف والتفت إلخ، وقال عليه السلام: هات ما معك، فناولته الرقعة، فقال من غير أن ينظر إليها.
قل له: لا خوف عليك في هذه العلة، وبكون ما لابد منه بعد ثلاثين سنة، قال: فوقع علي الدمع حتى لم أطق حراكا، وتركني وانصرف.
قال أبو القاسم: فأعلمني بهذه الجملة، فلما كان سنة سبع وستين اعتل أبو القاسم وأخذ ينظر في أمره، وتحصيل جهازه إلى قبره، فكتب وصيته،