شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٩
(وابتعث الرسل) بعثهم وابتعثهم بمعنى أرسلهم (مبشرين) للخلق بما أعد الله للمطيع من الثواب العظيم (ومنذرين) لهم بما أعد الله للعاصي من العذاب الأليم وبذلك يجذبونهم عن طريق الغواية ويرشدونهم إلى سبيل الهداية، وأما من أخذت يده العناية الأزلية وتنور قلبه من المشكاة النبوية فإنه يعلم أنه لولا الثواب والعقاب لاستحق سبحانه التوصل إليه بذاته والتذلل له طلبا لمرضاته (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة) تضمين للآية الكريمة وإشارة إلى غاية الاحتجاج والإبتعاث قال القاضي (1): والمعنى ليموت من يموت عن بينة عاينها ويعيش من يعيش عن حجة شاهدها لئلا يكون له حجة ومعذرة. فإن الاحتجاج بالرسل ابتعاثهم وتصديقهم بالمعجزات من البينات الواضحة، أو ليصدر كفر من كفر وإيمان من آمن عن وضوح بينة، على استعارة الهلاك والحياة للكفر والإسلام. المراد بمن هلك ومن حي المشارف للهلاك والحياة أو من هذا حاله في علم الله وقضائه، وقيل: يحتمل أن يكون هذا من باب المجاز المرسل لأن الكفر سبب للهلكة الحقيقية الأخروية، والايمان سبب للحياة الحقيقية الأبدية فأطلق المسبب على السبب مجازا.
(وليعقل العباد عن ربهم) بتذكير الرسل وتعليمهم (ما جهلوه) من أحوال المبدء والمعاد (فيعرفوه بربوبيته بعدما أنكروه) لغفلتهم عن العهود الإلهية والمواثيق الربانية ونبذ طاعته وترك عبادته كأن لم يكن شيئا مذكورا.
(و يوحده بالالهية بعد ما أضدوه) بالتشريك وعبادة الأصنام. للوساوس الشيطانية وتخيلات الأوهام.
توضيح ذلك: أن المعرفة هي إدراك الشئ، ثانيا بعد توسط الجهل، والعباد قد أقروا له بالربوبية وهم في صورة الذر حين قال: (ألست بربكم قالوا بلى) لشهادة عقولهم الخالصة عليها. ثم جهلوا ذلك وأنكروه لتعلقهم بالعلائق الجسمانية، وتشبثهم بالتسويلات النفسانية، وتمسكهم بالتخيلات الشيطانية; فبعث الله تعالى رسله رحمة منه وتفضلا لتعليمهم وتذكيرهم، فمن ضل بعد ذلك فقد غوى ومن آمن فقد اهتدى، ولما حمد سابقا ذاته تعالى لأجل نعمته وقدرته وغيرهما من الصفات المذكورة أراد أن يحمده ثانيا على نعمائه المتجددة آنا فآنا على سبيل الاستمرار التجددي فأتى بالجملة الفعلية رعاية للتناسب فقال: (أحمده) أي أحمده آنا فآنا وساعة فساعة، ولما كان الحمد من أجل الطاعات وأكمل العبادات إذ الحامد يلاحظ جلالا وجمالا ومنعما، وإطاعة دواء الأمراض النفسانية على حسب تفاوت مراتبها في الاخلاص كما قال سبحانه: (إن الحسنات يذهبن السيئات) والدافعة لجميع الأمراض هي المرتبة القصوى من مراتب الاخلاص قيده بقوله: (حمدا

1 - يعني البيضاوي صاحب التفسير المعروف بمعالم التنزيل.
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»
الفهرست