الحمد بها أن يكون الحمد لأجلها; لجواز أن يكون لأجل غيرها، كما إذا حمدت زيدا بالشجاعة لأجل سخاوته. وفي بعض النسخ «لنعمته» باللام وهو يؤيد الأول كما يؤيده نظيره في القرينة الثالثة.
لا يقال: لا يصح جعل الحمد للنعمة علة للحمد على ما يقتضيه قاعدة التعليق بالوصف; لأنه من باب تعليل الشئ بنفسه.
لأنا نقول: على تقدير اطراد تلك القاعدة الحمد لأجل النعمة بمنزلة العلة الغائية لجنس الحمد فيصح أن يجعل علة له. وإنما ابتدأ بعد التسمية بالحمد لحفظ ما أدرك من آلائه، وجلب ما يترقب من نعمائه، مع أنه من أفضل الطاعات وأكمل العبادات إذ الحامد يلاحظ جماله وجلاله ويراعي إحسانه وإفضاله فيكون ذلك سببا لمزيد امتنانه حالا ورضوانه مآلا.
(المعبود لقدرته) قدم الحمد للنعمة على الحمد للقدرة مع أن القدرة من الصفات الذاتية التي هي أجدر بالثناء عليها; لأن النعمة قد وصلت إلى الحامد بخلاف القدرة فان الواصل إليه إنما هو أثره، فالنعمة أولى بالحمد لها بهذا الاعتبار ولقد أحسن في جعل النعمة سببا لمحموديته والقدرة سببا لمعبوديته، لأن نعمته الواصلة إلى الغير توجب الحمد من حيث هو وقدرته على جميع الممكنات توجب العبادة والتذلل لله تعالى.
(المطاع في سلطانه) السلطان التسلط والقهر أو الحجة والبرهان، وقد فسر بهما قوله تعالى:
(فقد جعلنا لوليه سلطانا) والله سبحانه مطاع بالمعنيين لكونه قاهرا على جميع الممكنات فيطيعه كل ما كان في عنقه ربقة الامكان، وينقاد له كل من احتجب عن الحس أو يشار إليه بالبنان، لا يقدر شئ أن يتجاوز عن حده المقدر وكماله المقرر بالأمر المبرم والقضاء المحكم، وغالبا على جميع المخلوقات بالحجج القاطعة والبراهين الساطعة، فلا يتمكن أحد أن يرد حجته وبرهانه ويمنع دليله وفرقانه، ولفظ «في» إما للظرفية أو للسببية والثاني أولى بالنظر إلى السابق واللاحق، واستعمالها فيه شايع حتى قيل: إنها حقيقة فيه.
(المرهوب لجلاله) قال في المغرب رهبه: خافه رهبة، والله مرهوب، ومنه «لبيك مرهوب ومرغوب إليك» ويفهم منه أن مرهوبا متعد بنفسه، والذي يفهم من كلام ابن الأثير في النهاية أنه متعد بمن، وعلى هذا حذف «من» للاقتصار كما هو المتعارف، واللام لأن من عرف عظمته وجلاله ولاحظ غناه عن الخلق وكماله وعلم أن كل موجود بأسره مقهور تحت حكمه وأمره، وهو يتصرف فيه ما يشاء كيف يشاء، ويحكم ما يريد كيف يريد، ولا يسئل، حصلت له بذلك رهبة وخوف يتحير فيه العقول حيث رأى نفسه عارية عن الاختيار في الرد والقبول كما هو المعروف من أحوال الأنبياء والصلحاء وبه يظهر سر قوله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء).