شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٦
أطول من وسطاها. وأورد الصدوق (رحمه الله) في اعتقاداته بابا في الأخبار الواردة في الطب وأولها على خلاف ظاهرها بل رد بعضها بقرائن عقلية مثل الحديث الدال على أن العسل شفاء من كل داء حمله على الشفاء من كل داء بارد مع أن الصدوق كان شديد الاحتراز من الرد والتأويل حتى أنه لم يأول ولم يرد رواية سهو النبي (صلى الله عليه وآله) ولا رواية طهارة الخمر المخالفة لاجماع المسلمين إلا أهل الظاهر، ولا رواية أن شهر رمضان لا ينقص أبدا وذلك لأنه عرف باليقين بعض مسائل الطب وخواص الأدوية ورأى بعض الروايات مخالفا له فحمل بعضها على خلاف الظاهر، وبعضها على سهو الناقل وبعضها على تدليس المخالفين في الكتب، وأما كون شهر رمضان ناقصا ووجوب عصمة النبي (صلى الله عليه وآله) فلم يتضح عنده كما اتضح مسائل الطب فلم يحمله على سهو الرواة ولا على خلاف ظاهره، والعلامة المجلسي - رحمه الله - أيضا كان أبعد الناس في المتأخرين من التأويل بالقرينة العقلية ومع ذلك أول جميع الروايات الواردة في تجسم الأعمال ووزنها في الآخرة على خلاف ظاهرها بأن ذلك محال عقلا وقال:
لا يتصور أن يتجسم العمل ويكون له وزن ونسب جميع من حملها على ظاهرها إلى الضلال ووافق العلماء في تأويل آيات الجبر والتفويض ورواياتهما ونسبة السهو والعصيان إلى الأنبياء: إذ علم استحالتهما ولم يوافقهم في إنكار البداء والحبط وغير ذلك وبالجملة الناس مختلفون في إدراك القرائن العقلية مع اتفاقهم على التأويل فيما يعتقدون استحالته فبعضهم لم يعرف استحالة كون الله تعالى جسما وفي جهة وعلى العرش ولم يأولها مع أنه أول حديث طول سبابة النبي (صلى الله عليه وآله). وبعضهم لم يأول رواية عدم نقص شهر رمضان وسهو النبي (صلى الله عليه وآله) ولكن أول أحاديث الطب لأنه اعتقد استحالة هذا ولم يعرف استحالة ذاك، والأشاعرة لم يأولوا الروايات والآيات الدالة على الجبر إذ لم يعرفوا استحالة القبيح على الله تعالى. أولوا آيات التجسيم إلى غير ذلك.
وإياك أن تظن أن مثل هذا الاختلاف بين علمائنا الإمامية قدح فيهم أو أن تتعصب لواحد وتتبرأ من الآخر فإن هذا من موبقات الآثام. وأول ما يشقى ظان السوء بهم الحرمان من بركاتهم، وليس غير الأئمة المعصومين خاليا عن السهو والخطأ، ولو لا محبة الحق وحرصهم على إظهاره لم يخالف أحدهم أحدا فكلهم صلحاء أمناء مرضيون مجاهدون مأجورون عند الله. وهذه العلوم الشرعية كلها واجبة وقوام الدين بكل واحد منها كقوامه بالآخر وسواء في ذلك علم التجويد والقراءات والفقه والنحو والكلام والتفسير والحديث والرجال، ولا يمكن التمهر للكل في الجميع إلا للأوحدي وليس للمحدث أن يبغض المتكلم ولا للمتكلم أن يسفه المحدث ولا للاصولي أن يستحقر المجود وهكذا، هدانا الله وأياكم إلى طريق السداد ويوفقنا لتحصيل الزاد ليوم المعاد بحق محمد وآله الأمجاد.
(كتبه الفقير إلى الله أبو الحسن المدعو بالشعراني عفا الله عنه).
(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 ... » »»
الفهرست