يكون ثبوته في دين الإسلام بديهيا لا يقبل الشك كالصلاة والحج بحيث لا يمكن أن يعتقد أحد رسالة نبينا (صلى الله عليه وآله) ولا يعتقد وجوب الحج في شرعه إلا أن يدعى شبهة ممكنة في حقه مثل أن يكون في بلاد بعيدة عن الإسلام أو يكون قريب العهد به بحيث يمكن أن يتصور جهله به. ومثل المجسم والقائل بالجهة إذا كان بليدا جدا لا يعقل الأدلة على بساطة الواجب وتركب الجسم ويزعم أن غير الجسم موهوم، ولكن في اعتقادات المجلسي - رحمه الله - في تعداد الضروريات ما يوهم التناقض، فإنه عرف الضروري بما لا يخفى على أحد من المسلمين إلا ما شذ، ثم عد منه اشتمال الصلاة على تكبيرة الاحرام والقيام على الأظهر. وقوله «على الأظهر» يدل على عدم كونه ضروريا. وعد من الضروري غسل النفاس على الأظهر، وكون الريح ناقضا للوضوء على احتمال، يعني يحتمل كونه ضروريا، وهذا تناقض ظاهر لأن الضروري ما لا يحتمل الخلاف. قال: اشتمال الحج على الرمي ضروري على احتمال، والجمع بين الزوجة واختها وامها ضروري على الأظهر، وحرمة الربا في الجملة على احتمال. والعجب أنه عد حرمة الربا ضرورية على احتمال مع أنه حرام من غير شبهة يعرف ذلك غير المسلمين أيضا من مذهب الإسلام. وعد من الضروريات رجحان السلام ورده على الأظهر ورجحان صلة الأرحام على احتمال. قال: وغير ذلك مما اشتهر بينهم بحيث لا يشك فيه إلا من شذ منهم. وأقول: وهذا عجيب ولا يبعد أن يكون هذه الرسالة منحولة وإذا كان الضروري ما لا يشك فيه كيف يوصف بالاحتمال والأظهر، ومعنى الاحتمال والأظهر أن فيه شكا وكلام المجلسي - رحمه الله - مثل أن يقول أحد أظن أني عالم بمجيء زيد ثم يجعل ذلك علما.
ثم اعلم أن لفظ القرآن والحديث يحمل على ظاهره إلا أن يدل قرينة نقلية أو عقلية على خلافه ويختلف الناس في فهم القرآن ومثاله ما روي أن شاعرا مدح النبي (صلى الله عليه وآله) فقال لبعض أصحابه: إقطع لسانه. والظاهر منه قطع اللسان بالسكين لكن القرينة العقلية تدل على عدم كونه مرادا ولم يفهمه الصحابي حتى دله غيره بأن المراد الإحسان إلى الشاعر فان الإحسان يقطع اللسان إذ لا يأمر النبي (صلى الله عليه وآله) بقطع اللسان من غير تقصير وما من أحد إلا ويأول الحديث في الجملة حتى الحنابلة مع أنهم أبعد الناس من التأويل ويبالغون في حمل الألفاظ على الظواهر حتى مثل قوله وجه الله ويد الله والرحمن على العرش استوى بل المجددون منهم أيضا مصرون على ذلك ورأيت في كتاب بعضهم حديثا في شمائل النبي (صلى الله عليه وآله) أن سبابته كان أطول من الوسطى والظاهر منه سبابة اليد ولا يستحيل ذلك وجعله بعض أصحاب القيافة دليلا على العزم والصبر وعلو الهمة ولكن هذا العالم الحنبلي أوله بسبابة الرجل لاستبعاده ذلك في اليد ولو كان المراد الرجل لم يستحق الذكر فان جميع الناس سبابة رجلهم