قلنا هذا باطل من وجوه (أحدهما) انه لا خلاف بين أهل العربية في أن الاعراب بالمجاورة لا يتعدى إلى غيرها وما هذه منزلته في الشذوذ والخروج عن الأصول لا يجوز أن يحمل كلام الله تعالى عليه. (وثانيها) ان كل موضع أعرب بالمجاورة مما ذكره السائل ومما لم يذكره مفقود منه حرف العطف الذي تضمنته الآية وعليه اعتمدنا في تساوي حكم الأرجل والرؤوس، فلو كان ما أورده من حكم المجاورة يسوغ القياس عليه لكانت الآية خارجة عنه لتضمنها من دليل العطف ما فقدنا في المواضع المعربة بالمجاورة، ولا شبهة على أحد ممن يفهم العربية في أن المجاورة لا حكم لها مع العطف. (وثالثها) ان الاعراب بالجوار إنما استحسن بحيث ترتفع الشبهة في المعنى ألا ترى ان الشبهة زائلة في كون خرب صفة للضب والمعرفة حاصلة بأنه من صفات الجحر وكذلك قوله: مزمل معلوم انه من صفات الكبير لا البجاد، وليس هكذا الآية لان الأرجل يصح أن يكون فرضها المسح كما يصح أن يكون الغسل، والشك في ذلك واقع غير ممتنع فلا يجوز اعمال المجاورة فيها لحصول اللبس والشبهة، ولخروجه عن باب ما عهد استعمال القوم الجوار فيه، فأما البيت الذي انشدوه للأعشى فقد أخطأوا في توهمهم ان هناك مجاورة وإنما جر ثواء بالبدل من الحول والمعنى لقد كان في ثواء ثويته تقضي لبانات، وهذا القسم من البدل هو بدل الاشتمال كما قال تعالى:
(قتل أصحاب الأخدود النار) وقال: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه (٢).
فان قيل: كيف ادعيتم ان المجاورة لا حكم لها مع واو العطف مع قوله تعالى:
(يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق) إلى قوله: ﴿وحور عين﴾ (3) فخفضهن بالمجاورة لأنهن يطفن ولا يطاف بهن ومثل ذلك أيضا قول الشاعر: