يجدد الحزن ويكلف المؤنة مع ما مضى فيه من الأثر. قال النووي: قال الشافعي وأصحابه رحمهم الله: يكره الجلوس للتعزية. قالوا: ويعني بالجلوس أن يجتمع أهل الميت في بيت ليقصدهم من أراد التعزية، بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم. ولافرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها. صرح به المحاملي ونقله عن نص الشافعي رضي الله عنه. وهذه كراهة تنزيه إذا لم يكن معها محدث آخر، فإن ضم إليها أمر آخر من البدع المحرمة - كما هو الغالب منها في العادة - كان ذلك حراما من قبائح المحرمات، فإنه محدث وثبت في الحديث الصحيح " أن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ".
وذهب أحمد وكثير من علماء الأحناف إلى هذا الرأي. وذهب المتقدمون من الأحناف إلى أنه لا بأس بالجلوس في غير المسجد ثلاثة أيام للتعزية، من غير ارتكاب محظور.
وما يفعله بعض الناس اليوم من الاجتماع للتعزية، وإقامة السرادقات، وفرش البسط، وصرف الأموال الطائلة من أجل المباهاة والمفاخرة من الأمور المحدثة والبدع المنكرة التي يجب على المسلمين اجتنابها، ويحرم عليهم فعلها، لا سيما وأنه يقع فيها كثير مما يخالف هدي الكتاب ويناقض تعاليم السنة، ويسير وفق عادات الجاهلية، كالتغني بالقرآن وعدم التزام آداب التلاوة، وترك الانصات والتشاغل عنه بشرب الدخان وغيره. ولم يقف الامر عند هذا الحد، بل تجاوزه عند كثير من ذوي الأهواء فلم يكتفوا بالأيام الأول:
جعلوا يوم الأربعين يوم تجدد لهذه المنكرات وإعادة لهذه البدع. وجعلوا ذكرى أولى بمناسبة مرور عام على الوفاة وذكرى ثانية، وهكذا مما لا يتفق مع عقل ولا نقل.
زيارة القبور زيارة القبور مستحبة للرجال. لما رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن عن عبد الله بن بريدة عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها. فإنها تذكركم الآخرة " وكان النهي ابتداء لقرب عهدهم بالجاهلية، وفي الوقت الذي لم يكونوا يتورعون فيه عن