أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٣٩
صيغة عموم بلا خلاف، كما أشار إلى ذلك في مراقي السعود بقوله عاطفا على صيغ العموم: ولا يفلح الساحر حيث أتى) *. وقد قدمنا في سورة (بني إسرائيل) أن الفعل في سياق النفي من صيغ العموم. لأنه ينحل عند بعض أهل العلم عن مصدر وزمان، وعند بعضهم عن مصدر وزمان ونسبة. فالمصدر كامن في مفهومه إجماعا ، وهذا المصدر الكاهن في مفهوم الفعل في حكم النكرة فيرجع ذلك إلى النكرة في سياق النفي وهي صيغة عموم عند الجمهور. فظهر أن الفعل في سياق النفي من صيغ العموم، وكذلك الفعل في سياق الشرط. لأن النكرة في سياق الشرط أيضا صيغة عموم. وأكثر أهل العلم على ما ذكرنا من أن الفعل في سياق النفي أو الشرط من صيغ العموم، خلافا لبعضهم فيما إذا لم يؤكد الفعل المذكور بمصدر. فإن أكد به فهو صيغة عموم بلا خلاف، كما أشار إلى ذلك في مراقي السعود بقوله عاطفا على صيغ العموم:
* ونحو لا شربت أو إن شربا * واتفقوا إن مصدر قد جلبا * والتحقيق في هذه المسألة: أنها لا تختص بالفعل المتعدي دون اللازم، خلافا لمن زعم ذلك، وأنه لا فرق بين التأكيد بالمصدر وعدمه. لإجماع النحاة على أن ذكر المصدر بعد الفعل تأكيد للفعل، والتأكيد لا ينشأ به حكم، بل هو مطلق تقوية لشيء ثابت قبل ذلك كما هو معروف. وخلاف العلماء في عموم الفعل المذكور هل هو بدلالة المطابقة أو الالتزام معروف. وإذا علمت ذلك فاعلم أن قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: * (ولا يفلح الساحر) * يعم نفي جميع أنواع الفلاح عن الساحر، وأكد ذلك بالتعميم في الأمكنة بقوله: * (حيث أتى) * وذلك دليل على كفره. لأن الفلاح لا ينفي بالكلية نفيا عاما إلا عمن لا خير فيه وهو الكافر. ويدل على ما ذكرنا أمران:
الأول هو ما جاء من الآيات الدالة على أن الساحر كافر. كقوله تعالى: * (وما كفر سليمان ولاكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) *. فقوله * (وما كفر سليمان) * يدل على أنه لو كان ساحرا وحاشاه من ذلك لكان كافرا. وقوله * (ولاكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) * صريح في كفر معلم السحر، وقوله تعالى عن هاروت وماروت مقررا له: * (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) *، وقوله: * (ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له فى الا خرة من خلاق) * أي من نصيب، ونفي النصيب في الآخرة بالكلية لا يكون إلا للكافر عياذا بالله تعالى. وهذه الآيات أدلة واضحة على أن من السحر ما هو كفر بواح، وذلك مما لا شك فيه.
الأمر الثاني أنه عرف باستقراء القرآن أن الغائب فيه أن لفظة * (لا يفلح) * يراد بها الكافر، كقوله تعالى في سورة (يونس): * (قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما فى السماوات وما فى الا رض إن عندكم من سلطان بهاذآ أتقولون على الله ما لا تعلمون قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع فى الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون) *، وقوله في (يونس) أيضا: * (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون) *، وقوله
(٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 ... » »»