تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ١٥٣
وقيل: تنفذ الشمس سقوفهم وثيابهم فتصل إلى أجسامهم. فقيل: إذا طلعت نزلوا الماء حتى ينكسر حرها قاله الحسن وقتادة وابن جريج. وقيل: يدخلون أسرابا. وقال مجاهد: السودان عند مطلع الشمس أكثر من جميع أهل الأرض. قال ابن عطية: والظاهر من اللفظ أنها عبارة بليغة عن قرب الشمس منهم، وفعلها بقدرة الله فيهم ونيلها منهم، ولو كانت لهم أسراب لكان سترا كثيفا انتهى. وقال بعض الرجاز:
* بالزنج حر غير الأجسادا * حتى كسا جلودها سوادا * وذلك إنما هو من قوة حر الشمس عندهم واستمرارها. كذلك الإشارة إلى البلوغ أي كما بلغ مغرب الشمس بلغ مطلعها. وقيل * (أتبع سببا) * كما * (أتبع سببا) *. وقيل: كما وجد أولئك عند مغرب الشمس وحكم فيهم كذلك وجد هؤلاء عند مطلع الشمس وحكم فيهم. وقيل: كذلك أمرهم كما قصصنا عليكم. وقيل: * (تطلع) * طلوعها مثل غروبها. وقيل: * (لم نجعل لهم من دونها سترا * كذالك) * أي مثل أولئك الذين وجدهم في مغرب الشمس كفرة مثلهم، وحكمهم مثل حكمهم في التعذيب لمن بقي على الكفر والإحسان لمن آمن.
وقال الزمخشري: * (كذالك) * أي أمر ذي القرنين كذلك أي كما وصفناه تعظيما لأمره. وقيل * (لم نجعل لهم من دونها سترا) * مثل ذلك الستر الذي جعلنا لكم من الجبال والحصون والأبنية والأكنان من كل جنس، والثياب من كل صنف. وقال ابن عطية: * (كذالك) * معناه فعل معهم كفعله مع الأولين أهل المغرب، وأخبر بقوله * (كذالك) * ثم أخبر تعالى عن إحاطته بجميع ما لدى ذي القرنين وما تصرف فيه من أفعاله، ويحتمل أن يكون * (كذالك) * استئناف قول ولا يكون راجعا على الطائفة الأولى فتأمله، والأول أصوب. وإذا كان مستأنفا لا تعلق له بما قبله فيحتاج إلى تقدير يتم به كلاما.
* (ثم أتبع سببا * حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا * قالوا يأبانا * ذا * القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون فى الارض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا * قال ما مكنى فيه * ربى خير فأعينونى بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما * ما * زبر الحديد حتى إذا ساوى * ساوى * بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال اتونى أفرغ عليه قطرا * فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا * قال هاذا رحمة من ربى فإذا جاء وعد ربى جعله دكاء وكان وعد ربى حقا * وتركنا بعضهم يومئذ يموج فى بعض ونفخ فى الصور فجمعناهم جمعا * وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا * الذين كانت أعينهم فى غطاء عن * ذكرى وكانوا لا يستطيعون سمعا * أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادى من دونى أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا) *.
* (سببا) * أي طريقا أو مسيرا موصلا إلى الشمال فإن * (السدين) * هناك. قال وهب: السدان جبلان منيفان في السماء من ورائهما ومن أمامهما البلدان، وهما بمنقطع أرض الترك مما يلي أرمينية وأذربيجان. وذكر الهروي أنهما جبلان من وراء بلاد الترك. وقيل: هما جبلان من جهة الشمال لينان أملسان، يزلق عليهما كل شيء، وسمي الجبلان سدين لأن كل واحد منهما سد فجاج الأرض وكانت بينهما فجوة كان يدخل منها يأجوج ومأجوج. وقرأ مجاهد وعكرمة والنخعي وحفص وابن كثير وأبو عمرو * (بين السدين) * بفتح السين. وقرأ باقي السبعة بضمها. قال الكسائي هما لغتان بمعنى واحد. وقال الخليل وسيبويه: بالضم الاسم وبالفتح المصدر. وقال عكرمة وأبو عمرو بن العلاء وأبو عبيدة: ما كان من خلق الله لم يشارك فيه أحد فهو بالضم، وما كان من صنع البشر فبالفتح. وقال ابن أبي إسحاق ما رأت عيناك فبالضم، وما لا يرى فبالفتح. وانتصب * (بين) * على أنه مفعول به يبلغ كما ارتفع في * (لقد تقطع بينكم) * وانجر بالإضافة في * (هاذا فراق بينى وبينك) * و * (بين) * من الظروف المتصرفة ما لم تركب مع أخرى مثلها، نحو قولهم همزة بين بين.
* (من دونهما) * من دون السدين و * (قوما) * يعني من
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»