تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ١٥١
وقيل: بكثرة أعوانه وجنوده والهيبة والوقار وقذف الرعب في أعدائه وتسهيل السير عليه وتعريفه فجاج الأرض واستيلائه على برها وبحرها.
* (واتيناه من كل شىء) * أي يحتاج إليه في الوصول إلى أغراضه * (سببا) * أي طريقا موصلا إليه، والسبب ما يتوصل به إني المقصود من علم أو قدرة أو آلة، فأراد بلوغ المغرب * (فأتبع سببا) * يوصله إليه حتى بلغ، وكذلك أراد المشرق * (فأتبع سببا) * وأراد بلوغ السدين * (فأتبع سببا) * وأصل السبب الحبل، ثم توسع فيه حتى صار يطلق على ما يتوصل به إلى المقصود. وقال الحسن: بلاغا إلى حيث أراد. وقرأ زيد بن علي والزهري والأعمش وطلحة وابن أبي ليلى والكوفيون وابن عامر * (فأتبع) * ثلاثتها بالتخفيف. وقرأ باقي السبعة بالتشديد والظاهر أنهما بمعنى واحد. وعن يونس بن حبيب وأبي زيد أنه بقطع الهمزة عبارة عن المجد المسرع الحثيث الطلب، وبوصلها إنما يتضمن الاقتفاء دون هذه الصفات.
وقرأ عبد الله وطلحة بن عبيد الله وعمرو بن العاصي وابن عمر وعبد الله بن عمرو ومعاوية والحسن وزيد بن علي وابن عامر وحمزة والكسائي حامية بالياء أي حارة. وقرأ ابن عباس وباقي السبعة وشيبة وحميد وابن أبي ليلى ويعقوب وأبو حاتم وابن جبير الأنطاكي * (حمئة) * بهمزة مفتوحة والزهري يلينها، يقال حمئت البئر تحمأ حمأ فهي حمئة، وحمأتها نزعت حمأتها وأحمأتها أبقيت فيها الحمأة، ولا تنافي بين الحامية والحمئة إذ تكون العين جامعة للوصفين. وقال أبو حاتم: وقد تمكن أن تكون حامية مهموزة بمعنى ذات حمأة فتكون القراءتان بمعنى واحد يعني إنه سهلت الهمزة بإبدالها ياء لكسرة ما قبلها، وفي التوراة تغرب في ماء وطين. وقال تبع:
* فرأى مغيب الشمس عند مآبها * في عين ذي خلب وثاط حرمد أي في عين ماء ذي طين وحم أسود. وفي حديث أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) نظر إلى الشمس عند غروبها فقال: (أتدري أين تغرب يا أبا ذر؟) فقلت: لا. فقال: (إنها تغرب في عين حامية). وهذا الحديث وظاهر النص دليل على أن قوله * (فى عين) * متعلق بقوله * (تغرب) * لا ما قاله بعض المتعسفين أن قوله في * (عين حمئة) * إنما المراد أن ذا القرنين كان فيها أي هي آخر الأرض، ومعنى * (تغرب فى عين) * أي فيما ترى العين لا أن ذلك حقيقة كما نشاهدها في الأرض الملساء كأنها تدخل في الأرض، ويجوز أن تكون هذه العين من البحر، ويجوز أن تكون الشمس تغيب وراءها، وزعم بعض البغداديين أن * (فى) * بمعنى عند أي * (تغرب) * عند عين.
* * (ووجد عندها قوما) * أي عند تلك العين. قال ابن السائب: مؤمنين وكافرين. وقال غيره: كفرة لباسهم جلود السباع وطعامهم ما أحرقته الشمس من الدواب، وما لفظته العين من الحوت إذا غربت. وقال وهب: انطلق يؤم المغرب إلى أن انتهى إلى باسك فوجد جمعا لا يحصيهم إلا الله، فضرب حولهم ثلاثة عساكر حتى جمعهم في مكان واحد، ثم دخل عليهم في النور ودعاهم إلى عبادة الله، فمنهم من آمن ومنهم من صد عنه. وقال أبو زيد السهيلي: هم أهل حابوس ويقال لها بالسريانية جرجيسا يسكنها قوم من نسل ثمود. بقيتهم الذين آمنوا بصالح عليه السلام.
وظاهر قوله * (قلنا) * أنه أوحي الله إليه على لسان ملك. وقيل: كلمه كفاحا من غير رسول كما كلم موسى عليه السلام، وعلى هذين القولين يكون نبيا ويبعد ما قاله بعض المتأولين أنه إلهام وإلقاء في روعه لأن مثل هذا التخيير لا
(١٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 ... » »»