تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٣٠٣
* تأتي النساء على أطهارهن ولا * تأتي النساء إذا أكبرن إكبارا * قال ابن عطية: وهذا قول ضعيف، والبيت مصنوع مختلق، كذلك قال الطبري وغيره من المحققين، وليس عبد الصمد من رواة العلم رحمة الله. وقال الزمخشري: وقيل أكبرن بمعنى حضن، والهاء للسكت يقال: أكبرت المرأة إذا حاضت، وحقيقته من الكبر لأنها بالحيض تخرج عن حد الصغر إلى حد الكبر، وكأن أبا الطيب أخذ من هذا التفسير قوله:
* خف الله واستر ذا الجمال ببرقع * فإن لحت حاضت في الخدور العواتق انتهى. وإجماع القراء على ضم الهاء في الوصل دليل على أنها ليست هاء السكت، إذ لو كانت هاء السكت، وكان من أجرى الوصل مجرى الوقف، لم يضم الهاء. والظاهر أن الضمير يعود في أكبرنه على يوسف إن ثبت أن أكبر بمعنى حاض، فتكون الهاء عائدة على المصدر أي: أكبرن الإكبار. وقطعن أيديهن أي جرحنها، كما تقول: كنت أقطع اللحم فقطعت يدي. والتضعيف للتكثير إما بالنسبة لكثرة القاطعات، وإما بالنسبة لتكثير الحز في يد كل واحدة منهن. فالجرح كأنه وقع مرارا في اليد الواحدة وصاحبتها لا تشعر لما ذهبت بما راعها من جمال يوسف، فكأنها غابت عن حسها. والظاهر أن الأيدي هي الجوارح المسماة بهذا الاسم.
* وقال عكرمة: الأيدي هنا الأكمام، ولما فعلن هذا الفعل الصعب من جرح أيديهن، وغلب عليهن ما رأين من يوسف وحسنه قلن: حاش لله. قرأ الجمهور: حاش لله بغير ألف بعد الشين، ولله بلام الجر. وقرأ أبو عمرو: حاشا لله بغير ألف، ولام الجر. وقرأت فرقة منهم الأعمش: حشى على وزن رمى لله بلام الجر. وقرأ الحسن: حاش بسكون الشين وصلا، ووقفا بلام الجر. وقرأ أبي وعبد الله: حاشى الله بالإضافة، وعنهما كقراءة أبي عمرو، قاله صاحب اللوامح. وقرأ الحسن: حاش الإله. قال ابن عطية: محذوفا من حاشى. وقال صاحب اللوامح: بحذف الألف، وهذه تدل على كونه حرف جر يجر ما بعده. فأما الإله فإنه فكه عن الإدغام، وهو مصدر أقيم مقام المفعول، ومعناه المألوه بمعنى المعبود. قال: وحذفت الألف من حاش للتخفيف انتهى. وهذا الذي قاله ابن عطية وصاحب اللوامح: من أن الألف في حاشى في قراءة الحسن محذوفة لا تتعين، إلا أن نقل عنه أنه يقف في هذه القراءة بسكون الشين، فإن لم ينقل عنه في ذلك شيء فاحتمل أن تكون الألف حذفت لالتقاء الساكنين، إذ الأصل حاشى الإله، ثم نقل فحذف الهمزة وحرك اللام بحركتها، ولم يعتد بهذا التحريك لأنه عارض، كما تنحذف في يخشى الإله. ولو اعتد بالحركة لم تحذف الألف. وقرأ أبو السمأل: حاشا لله بالتنوين كرعيا لله، فأما القرءات لله بلام الجر في غير قراءة أبي السمأل فلا يجوز أن يكون ما قبلها من حاشى، أو حاش، أو حشى، أو حاش حرف جر، لأن حرف الجر لا يدخل على حرف الجر، ولأنه تصرف فيهما بالحذف، وأصل التصرف بالحذف أن لا يكون في الحروف. وزعم المبرد وغيره كابن عطية: أنه يتعين فعليتها، ويكون الفاعل ضمير يوسف أي: حاشى يوسف أن يقارف ما رمته به. ومعنى لله: لطاعة الله، أو لمكانة من الله، أو لترفيع الله أن يرمي بما رمته به، أو يذعن إلى مثله، لأن ذلك أفعال البشر، وهو ليس منهم، إنما هو ملك. وعلى هذا تكون اللام في لله للتعليل أي: جانب يوسف المعصية لأجل طاعة الله، أو لما ذهب قبل. وذهب غير المبرد إلى أنها اسم، وانتصابها انتصاب المصدر الواقع بدلا من اللفظ بالفعل كأنه قال: تنزيها لله. ويدل على اسميتها قراءة أبي السمال حاشا
(٣٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 308 ... » »»