تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٣٠٢
وهيئأت لهن ما يتكئن عليه من النمارق والمخاد والوسائد، وغير ذلك مما يكون في مجلس أعد للكرامة. ومن المعلوم أن هذا النوع من الإكرام لا يخلو من طعام وشراب، وهنا محذوف تقديره: فجئن واتكأن. ومتكئا إما أن يراد به الجنس، وإما أن يكون المراد وأعتدت لكل واحدة منهن متكئا، كما جاءت وآتت كل واحدة منهن سكينا. قال ابن عباس متكئا مجلسا، ذكره الزهراوي، ويكون متكئا ظرف مكان أي: مكانا يتكئن فيه. وعلى ما تقدم تكون الآلات التي يتكأ عليها. وقال مجاهد: المتكأ الطعام يحز حزا. قال القتبي: يقال اتكأ عند فلان أي أكلنا، ويكون هذا من المجاز عبر بالهيئة التي يكون عليها الآكل المترف بالمتكأ وهي عادة المترفين، ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم): * (أما * أنا * فلا * أكل * متكئا) * أو كما قال: وإذا كان المتكأ ليس معبرا به عما يؤكل، فمعلوم أن مثل هذا المجلس لا بد فيه من طعام وشراب، فيكون في جملة الطعام ما يقطع بالسكاكين. فقيل: كان لحما وكانوا لا ينهشون اللحم، إنما كانوا يأكلونه حزا بالسكاكين. وقيل: كان أترجا، وقيل: كان بزماورد وهو شبيه بالأترج موجود في تلك البلاد. وقيل: هو مصنوع من سكر ولوز وأخلاط، ومضمونه: أنه يحتاج إلى أن يقطع بالسكين، وعادة من يقطع شيئا أن يعتمد عليه، فيكون متكئا عليه. قيل: وكان قصدها في بروزهن على هذه الهيئات متكئات في أيديهن سكاكين يحززن بها شيئين: أحدهما: دهشن عند رؤيته وشغلهن بأنفسهن، فتقع أيديهن على أيديهن فيقطعنها فتبكتهن، ويكون ذلك مكرا بهن إذ ذهلن عما أصابهن من تقطيع أيديهن، وما أحسسن به مع الألم الشديد لفرط ما غلب عليهن من استحسان يوسف وسلبه عقولهن. والثاني: التهويل على يوسف بمكرها إذا خرج على نساء مجتمعات في أيديهن الخناجر، توهمه أنهن يثبن عليه، فيكون يحذر مكرها دائما. ولعله يجيبها إلى مرادها على زعمها ذلك، ويوسف قد عصمه الله من كل ما تريده به من السوء.
وقرأ الزهري، وأبو جعفر، وشيبة: متكي مشدد التاء من غير همز بوزن متقي، فاحتمل ذلك وجهين: أحدهما: أن يكون من الاتكاء، وفيه تخفيف الهمز كما قالوا في توضأت توضئة. والثاني: يكون مفتعلا من أوكيت السقاء إذا شددته أي: ما يشتددن عليه، إما بالاتكاء، وإما بالقطع بالسكين. وقرأ الأعرج: متكئا مفعلا من تكأ يتكأ إذا اتكأ. وقرأ الحسن: وابن هرمز: متكأ بالمد والهمز، وهو مفتعل من الاتكاء، إلا أنه أشبع الفتحة فتولدت منها الألف كما قالوا: ومن ذم الرجال بمنتزاح. وقالوا:
* أعوذ بالله من العقراب * الشائلات عقد الأذناب * وقرأ ابن عباس، وابن عمر، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، والجحدري، والكلبي، وإبان بن تغلب: متكئا بضم الميم وسكون التاء وتنوين الكاف، وجاء كذلك عن ابن هرمز. وقرأ عبد الله ومعاذ، وكذلك إلا أنهما فتحا الميم، وتقدم تفسير متك، ومتك في المفردات. وقالت: اخرج عليهن، هذا الخطاب ليوسف عليه السلام. وخروجه يدل على طواعيتها فيما لا يعصي الله فيه، وفي الكلام حذف تقديره: فخرج عليهن. ومعنى أكبرنه: أعظمنه ودهشن برؤية ذلك الجمال الفائق الرائع. قيل: كان فضل يوسف على الناس في الحسن كفضل القمر ليلة البدر على نجوم السماء. وفي حديث الإسراء أن الرسول صلى الله عليه وسلم) لما أخبر بلقيا يوسف قيل: يا رسول الله كيف رأيته؟ قال: (كالقمر ليلة البدر) وقيل: كان إذا سار في أزقة مصر يرى تلألؤ وجهه على الجدران، كما يرى نور الشمس. وقيل: كان يشبه آدم يوم خلقه ربه. وقيل: ورث الجمال عن جدته سارة. وقال عبد الصمد بن علي الهاشمي، عن أبيه، عن جده: معناه حضن، وأنشد بعض النساء حجة لهذا التأويل:
(٣٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 ... » »»