التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٤٥٦
وقوله (كذبت قوم لوط بالنذر) اخبار منه تعالى أن قوم لوط كذبوا الرسل بالانذار على ما فسرناه. وفائدة ذكر التحذير على ما بيناه من فعل مثله لئلا ينزل بهم مثل ما نزل بأولئك، وفي الكلام حذف وتقديره فأهلكناهم. ثم بين كيف أهلكهم فقال (إنا أرسلنا عليهم حاصبا) والحاصب الحجارة التي يرمى بها القوم، حصبوا بها إذا رموا، ومنه الحصباء الأرض ذات الحصى، لأنه يحصب بها وقيل: الحاصب سحاب رماهم بالحجارة وحصبهم بها قال الفرزدق:
مستقبلين رياح الشام تضربنا * بحاصب كنديف القطن منثور (1) ثم استثنى آل لوط، وتقديره إنا أرسلنا عليهم حاصبا أهلكناهم به (إلا آل لوط) فانا (نجيناهم) وخلصناهم من العذاب (بسحر) أي بليل لا سحرا بعينه، لان سحرا إذا أردت به سحر يومك لم تصرفه، وإذا أردت به سحرا من الأسحار صرفته.
وقوله (نعمة من عندنا) قال الزجاج نصبه على أنه مفعول له، ويجوز أن يكون على المصدر، وتقديره أنعمنا بها عليهم نعمة. ثم قال (كذلك نجزي من شكر) أي مثل ما فعلنا بهم نفعل بمن يشكر الله على نعمه، والشكر هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم للمنعم، ونقيضه كفر النعمة، ومثله الحمد على النعمة.
ثم اخبر تعالى عن لوط بأنه أنذر قومه بطشة الله وهي الاخذ بالعذاب بشدة فكذلك أخذ الله - عز وجل - آل لوط بأشد العذاب بالائفاك ورمي الأحجار من السماء.
وقوله (فتماروا بالنذر) أي تدافعوا على وجه الجدال بالباطل، يقال: تمارى القوم تماريا وماراه مماراة ومراء، ومراه يمريه مريا إذا أستخرج ما عنده من العلم بالمري.

(1) مر في 6 / 502 و 8 / 209
(٤٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 451 452 453 454 455 456 457 458 459 460 461 ... » »»
الفهرست