التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٣٥٠
إنما هو ما يفعله صاحبه وله طريق إلى العلم بدلا منه مما يعمل عليه، فهذا ظن محرم لا يجوز فعله، فأما مالا سبيل له إلى دفعه بالعلم بدلا منه، فليس باثم، فلذلك كان بعض الظن أثم، دون جميعه، والظن المحمود قد بينه الله ودل عليه في قوله (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا) (1): يلزم المؤمن أن يحسن الظن به ولا يسئ الظن في شئ يجد له تأويله جميلا، وإن كان ظاهره القبيح. ومتى فعل ذلك كان ظنه قبيحا.
وقوله (ولا تجسسوا) أي لا تتبعوا عثرات المؤمن - في قول ابن عباس ومجاهد وقتادة - وقال أبو عبيدة التجسس والتجسس واحد وهو التبحث يقال:
رجل جاسوس، والجاسوس والناموس واحد. وقيل للمؤمن حق على المؤمن ينافي التجسس عن مساوئه. وقيل: يجب على المؤمن أن يتجنب ذكره المستور عند الناس بقبيح، لان عليهم أن يكذبوه ويردوا عليه، وإن كان صادقا عند الله، لان الله ستره عن الناس، وإنما دعى الله تعالى المؤمن إلى حسن الظن في بعضهم ببعض للألفة والتناصر على الحق، ونهوا عن سوء الظن لما في ذلك من التقاطع والتدابر.
وقوله (ولا يغتب بعضكم بعضا) فالغيبة ذكر العيب بظهر الغيب على وجه تمنع الحكمة منه. ويروى في الخبر إذا ذكرت المؤمن بما فيه مما يكرهه الله، فقد اغتبته وإذا ذكرته بما ليس فيه، فقد بهته.
وقوله (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه) معناه ان من دعي إلى اكل لحم أخيه فعافته نفسه، فكرهته من جهة طبعه، فإنه ينبغي إذا دعي إلى عيب أخيه فعافته نفسه من جهة عقله، فينبغي أن يكرهه، لان داعي العقل أحق بأن يتبع من داعي الطبع لان داعي الطبع أعمى وداعي العقل بصير، وكلاهما

(1) سورة 24 النور آية 12
(٣٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 ... » »»
الفهرست