فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٦٧٨
الصرم وهو القطع، والأمر للإرشاد، وقد يندب، وقد يجب. وقال غيره: وهو بفتح الراء مصدر صرم إذ قطع. وبضمها اسم للقطيعة (تنبيه) قال الراغب: الجنون عارض يغمر العقل، والحمق قلة التنبيه لطريق، وكلاهما يكون تارة خلقة وتارة عارضا، وقد عظم الحمق بما لم يعظم الجنون. ونقل عن عيسى عليه السلام أنه أتى بأحمق ليداويه، فقال أعيتني مداواة الأحمق ولم تعيني مداواة الأكمه والأبرص. والفرق بينه وبين الجنون أن المجنون غرضه الذي يريده ويقصده فاسد أو يكون سلوكه إلى غرضه صوابا، والأحمق يكون غرضه الذي يريده صحيحا وسلوكه إليه خطأ. ومحصول الخبر أن الأحمق ينبغي تجنبه وأن تفر منه فرارك من الأسد، لأن الطباع سراقة، وقد يسرق طبعك منه، ومن ثم قيل:
فارغب بنفسك لا تصادق أحمقا * إن الصديق على الصديق مصدق ولأن يعادي عاقلا خيرا له * من أن يكون له صديق أحمق وقال وهب: الأحمق إذا تكلم فضحه حمقه. وإذا سكت فضحه عيه، وإذا عمل أفسد، وإذا ترك أضاع، لا علمه يعينه ولا علم غيره ينفعه، تود أمه أنها ثكلته، وتود امرأته أنها عدمته، ويتمنى جاره منه الوحدة ويأخذ جليسه منه الوحشة، وقيل للفرزدق وهو صبي: أيسرك أنك لك مائة ألف وأنك أحمق؟ قال لا لئلا يجني علي حمقي جناية فتذهب بمالي ويبقى حمقي علي. وقال الماوردي: الأحمق ضال مضل، إن أونس تكبر، وإن أنس تكبر، وإن أوحش تكدر، وإن استنطق تخلف، وإن ترك تكلف، مجالسته مهنة، ومعاتبته محنة، ومجاورته تغر وموالاته تضر، ومقارنته غم، ومفارقته شفاء، يسئ على غيره وهو يظن أنه قد أحسن إليه فيطالبه بالشكر، ويحسن إليه غيره فيظن أنه قد أساء إليه فيرميه بالوزر، فمساويه لا تنقضي، وعيوبه لا تتناهى، ولا يقف النظر منها على غاية إلا لوحت بما وراءها بما هو أدنى منها وأردى. وأمر وأدهى. ومن أمثالهم: الأحمق لا يجد لذة الحكمة كما لا ينتفع بالورد صاحب الزكمة. واعلم أن صرم المسلم حرام أصالة فلا يحل لمسلم أن يصارم مسلما: أي يترك مكالمته إلا لسبب كوصف مذموم فيه كالحمق والبدعة. قال النووي في شرح مسلم: يجوز هجر أهل البدع والفسق دائما. والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام محله فيمن هجر لحظ نفسه ومعاش الدنيا. قال الحافظ ابن حجر: وقد أجمعوا على جواز الهجر فوق ثلاث لمن خاف من مكالمته ضررا في دينه أو دنياه.
ورب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. وقال عمار: مصارمة جميلة أحب إلي من مودة على دغل (هب) من طريق محمد بن إسحاق البلخي عن عمر بن قيس بن بشير (عن بشير) بفتح الموحدة أوله وزيادة ياء: وهو ابن زيد (الأنصاري) ذكره الحاكم، وقال مسانيده عزيزة، قال البيهقي وهم فيه الحاكم من ثلاثة أوجه أو أربعة: قوله عمر بن قيس، وإنما هو عمرو. وقوله بشير بموحدة مفتوحة بعدها معجمة مكسورة وإنما هو بضم التحتية بعدها مهملة مضغرا: وفي رفع الحديث وصوابه موقوف، وفي جعله صحابيا وإنما له إدراك. أه‍. قال ابن حجر: وبقي عليه أنه وهم في قوله بشير بن زيد وإنما هو ابن عمر، وفي كونه أنصاريا وإنما هو عبدي، وقيل كندي. أه‍. وفيه عمرو بن قيس الكندي قال في الميزان عن ابن معين لا شئ ووثقه أبو حاتم.
(٦٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 673 674 675 676 677 678 679 680 681 682 683 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة