فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ١٦٤
وبدليل السبب الآتي فإنها لا تطيق أن تفصح عن حالها وتتضرع إلى صاحبها من جوعها وعطشها وإضرارها ذكره القاضي (المعجمة) بضم الميم وفتح الجيم وقيل بكسر ما أي التي لا تقدر على النطق فتشكو ما أصابها من جوع وعطش. وأصل الأعجم كما قال الرافعي الذي لا يفصح بالعربية ولا يجيد التكلم بها عجميا كان أو عربيا سمى به لعجمة لسانه والتباس كلامه والقصد التحريض على الرفق بها والتحذير من التقصير في حقها (فاركبوها) رشادا حال كونها (صالحة) للركوب عليها يعني تعهدوها بالعلف لتتهيأ لما تريدونه منها فإن أردتم ركوبها وهي صالحة للركوب قوية على المشي بالراكب فاركبوها وإلا فلا تحملوها ما لا تطيقه وكالركوب التحميل عليها (وكلوها صالحة) أي وإن أردتم أن تنحروها وتأكلوها فكلوها حال كونها سمينة صالحة للأكل وخص الركوب والأكل لأنهما من أعظم المقاصد ذكره كله القاضي لكن ليس لمن وجب عليه هدي أو منذور الأكل منه قال القاضي: وفيه وجوب علف الدواب وأن الحاكم يجبر المالك عليه وهو مذهب الشافعي والجمهور انتهى. فيلزم المالك كفاية دابته المحترمة وإن تعطلت لمرض أو زمانة أكلا وشربا فإن امتنع الزم به من ماله أو ببيعها أو إجارتها أو ذبح المأكولة للأكل فإن أبى فعل القاضي من ذلك ما يراه (تنبيه) ذكر بعض أكابر الصوفية أنه ينبغي شفقة الراكب على الدابة فيخفف بدنه عليها بكثرة ذكر الله على ظهرها فإنه مجرب للخفة عليها إذ الروح تشتاق إلى حضرة ربها في جهة العلو بحسب غلبة الوهم فتريد الصعود بجسمها إلى تلك الحضرة فلا يصير على الدابة من البدن إلا مجرد المماسة كما جربناه وذكر بعضهم أن الشيخ عبد العزيز الديريني كان إذا ركب دابة لا يحمل صوتا قط ويردها بكمه ويقول هيهات عبد العزيز أن يقدر على ضربة بكم قميص - (حم د) في الجهاد (وابن خزيمة) في صحيحه (حب) كلهم (عن سهل) ضد الصعب (ابن) الربيع ابن عمرو بن عدي المعروف بابن (الحنظلية) صحابي غير صغير أوسي والحنظلية أمه وبها اشتهر شهد أحدا وكان متعبدا متوحدا زاهدا قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بعير قد لحق ظهره ببطنه فذكره وفي رواية عنه مر ببعير مناخ على باب أول النهار ثم مر به آخر النهار وهو على حاله فقال: أين صاحب هذا فابتغى فلم يوجد فقال: اتقوا الله إلى آخره قال الهيتمي: رجال أحمد رجال الصحيح وقال في الرياض بعد عزوه لأبي داود إسناده صحيح انتهى ومن ثم رمز المصنف لصحته.
121 - (اتقوا الله) علق الاتقاء بالاسم العلم دون غيره من بقية أسمائه وصفاته لمزيد التأكيد والمبالغة في الحمل على الامتثال بإدخال المهابة بسلطان الأسماء الجلالية (واعدلوا) ندبا (في) وفي رواية بين (أولادكم) أي سووا بينهم في العطية وغيرها لئلا يفضي التفضيل إلى العقوق والتحاسد وذلك بأن يسوي بين ذكورهم وإناثهم وقيل كالإرث فعدم العدل بينهم مكروه تنزيها عند الشافعي لما ذكر وتصح الهبة وقال أحمد إن خص أحدكم لمعنى فيه يبيح التفضيل حرم ولزمه التسوية إما برد ما فضل أو إتمام نصيب الباقي ويرده خبر مسلم أشهد على هذا غيري إذ لو كان حراما لم يأذن له في استشهاد غيره وامتناعه من الشهادة تورع ولا يعارضه رواية إني لا أشهد على جور لأن المكروه جور، إذ الجور الميل عن الاعتدال والعدل ملكة يقتدر بها على تجنب ما لا يليق فعله إذ هو وضع الشئ
(١٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة