البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٦ - الصفحة ٤٧٤
للحكم كما يجلس المتعلم بين يدي المعلم تعظيما له. ويكون بعدهما عنه قدر ذراعين أو نحو ذلك من غير أن يرفعا أصواتهما. وتقف أعوان القاضي بين يديه فيكون أهيب. وقدمنا الخلاف بين الشيخين في ابتداء القاضي لهما بالسؤال وفي فتح القدير هنا، والأصح عندنا أنه يستنطقه ابتداء للعلم بالمقصود ولا يتعجل على الخصوم ولا يخوفهم. وينبغي أن يقوم بين يديه إذا جلس للحكم رجل يمنع الناس عن التقدم إليه معه سوط يقال له الجلواز وصاحب المجلس يقيم الخصوم بين يديه على البعد والشهود بقرب من القاضي.
قوله: (وليتق عن مسارة أحدهما وإشارته وتلقين حجته وضيافته أي وليجتنب عن هذه الأشياء لأن فيها تهمة ومكسرة لقلب الآخر والمسارة من ساره في أذنه وتساروا تناجوا، كذا في القاموس. والمعنى أنه يجتنب الكلام معه خفية. قيد بما ذكر لأنه لا يلزمه اجتناب ميل قبله إلى أحدهما لأنه ليس في وسعه كالقسم. وفي الولوالجية: ولا ينبغي للذي يقوم بين يدي القاضي أن يسار أحدا من الخصمين في مجلس الحكم لأنه نائب القاضي اه‍. وأما منعه من ضيافة أحدهما فما رواه الحسن فقال: جاء رجل فنزل على علي رضي الله عنه فأضافه فلما فرغ قال: أني أريد أن أخاصم. قال له: تحول فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن نضيف الخصم إلا ومعه خصمه، قيد بضيافة أحدهما لأن له أن يضيفهما معا لما رويناه قوله: (والمزاح) أي وليتق المزاح في المصباح: مزح مزحا من باب نفع مزاحة بالفتح، والاسم المزاح بالضم وهو الدعابة، والمزاحة المرة ومازحت مزاحا من باب قاتل قتالا اه‍. وفي الصحاح: الدعابة بالضم المزاح من دعب لعب اه‍. فعلى هذا المزاح اللعب. وأشار إلى أنه لا يضحك في وجه أحدهما فلا يقوم له إذا قدم بالأولى فلو قال المصنف والمزح لكان أولى لأنه يجتنب المزح سواء مازحه أحد أو لا، وسواء كان مع أحد الخصمين أو مع غيرهما. ومراده إذا كان في مجلس الحكم، وأما في غيره فلا يكثر منه لأنه يذهب بالمهابة قوله: (وتلقين الشاهد) أي يجتنبه لأن فيه إعانة لأحدهما على الآخر. أطلقه فشمل ما إذا كان في موضع تهمة أو لا، واستحسنه أبو يوسف في غير موضع التهمه لأنه قد يقول أعلم مكان أشهد لمهابة المجلس وهو نوع رخصة عنده رجع إليه بعدما تولى القضاء، والعزيمة فيما قالا لأنه لا يخلو عن نوع تهمة. وفي فتح القدير: وظاهر الجواب ترجيح ما عن أبي يوسف. وفي القنية من باب المفتي: والفتوى على قول أبي يوسف فيما يتعلق بالقضاء لزيادة تجربته، وكذا في البزازية من القضاء والتلقين أن يقول له القاضي كلاما يستفيد به علما. وذكر الصدر أن منه أن يقول له كيف تشهد إنما يقول له بم تشهد. وأما إفتاء القاضي فالصحيح أنه لا بأس به في مجلس القضاء وغيره لكن لا يفتي أحد لخصمين، كذا في خزانة الفتاوي. وفي الملتقط: فأما اليوم فقد ظهرت المذاهب إلا إذا كانت مسألة لا يعرف جوابها في مذهب القاضي اه‍. قيد بالشاهد لبيان أنه لا يلقن
(٤٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 469 470 471 472 473 474 475 476 477 478 479 ... » »»
الفهرست