البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ٢٩٦
حدث آخر فإن هذه آية عمل الحدث السابق عمله إذ خروج الوقت ليس بحدث حقيقة بالاجماع، فبان أن اللبس في حقه حصل لا على طهارة فلا جرم إن جاز له المسح في الوقت لا خارجه. فحاصله أنه لا يمسح بعد خروج الوقت في ثلاثة أحوال ويمسح في حال واحدة، وأما في الوقت فيمسح مطلقا. كذا في النهاية وغيرها. وشمل كلام المصنف صورا منها: أن يبدأ بغسل رجليه ثم يلبسهما ثم يكمل الوضوء، ومنها أن يتوضأ إلا رجليه ثم يغسل واحدة ويلبس خفها ثم يغسل الأخرى ويلبسه، ومنها أن يبدأ بلبس الخفين ثم يتوضأ إلا رجليه ثم يخوض في الماء فتبتل رجلاه مع الكعبين أو عكسه بأن ابتل رجلاه ثم توضأ، وفي جميع هذه الصور يجوز له المسح إذا أحدث لتمام الطهارة وقت الحدث وإن لم يوجد وقت اللبس، فظهر بهذا أن قوله وقت الحدث قيد لا بد منه وبه يندفع ما ذكر في التبيين من أنه زيادة بلا فائدة لأن قوله إن لبسهما على وضوء يغني عنه لأن اللبس يطلق على ابتداء اللبس وعلى الدوام عليه، ولهذا يحنث بالدوام عليه في يمينه لا يلبس هذا الثوب وهو لابسه فيكون معناه إن وجد لبسهما على وضوء تام، سواء كان ذلك اللبس ابتداء أو بالدوام عليه فلا حاجة إلى تلك الزيادة اه‍. ووجه دفعه أن الفعل دال على الحدث ولا دلالة على الدوام والاستمرار. قال المحقق التفتازاني في أول المطول: الاسم يدل على الدوام والاستمرار والفعل إنما يدل على الحقيقة دون الاستغراق ا ه‍. فالمعنى أن الشرط حصول اللبس على طهر في الجملة عند اللبس بشرط أن تتم تلك الطهارة عند الحدث، ولو لم يقيد التام بوقت الحدث لتبادر تقييده بوقت اللبس وحصول الطهر التام قبله كما هو مقتضى لفظة على وبعدما قيد بوقت الحدث لم يبق احتمال تقييده بوقت اللبس، وكون الفعل أطلق على الدوام في مسألة اليمين إنما هو بطريق المجاز والكلام في تبادر المعنى الحقيقي فلولا التقييد بوقت الحدث لتبادر الفهم إلى المعنى الحقيقي.
فإن قيل: المفهوم من الكتاب عدم الجواز عند كون اللبس على طهر تام وقت اللبس مع أنه ليس كذلك قلنا: التام وقت الحدث أعم من التام فيه فقط والتام فيه وقبله أيضا، والتام وقت اللبس يكون تاما وقت الحدث. وقال الشافعي: لا بد من لبسهما على وضوء تام ابتداء لما في الصحيحين عن المغيرة كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأهويت لأنزع خفيه فقال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما. وأهويت بمعنى قصدت. ولما أخرجه ابن حبان وابن خزيمة في صحيحهما من حديث أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما. ونص الشافعي على أن
(٢٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 ... » »»
الفهرست