فكذا هاهنا * وحجتنا في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام العمد قود فقد أدخل الألف واللام في العمد وذلك للمعهود فإن لم يكن فللجنس وليس هاهنا معهود فكان للجنس وفيه تنصيص على أن جنس العمد موجب للقود فمن جعل المال واجبا بالعمد مع القود فقد زاد على النص وإلى هذا أشار ابن عباس رضي الله عنه في قوله العمد قود ولا مال له فيه وعن علي وابن مسعود رضي الله عنهما قالا في دم عمد بين شريكين عفا أحدهما انقلب نصيب الآخر مالا فتخصيصهما غير العافي بوجوب المال له دليل على أن العافي لا شئ له فأما ما روى من قوله فأهله بين خيرتين فقد اختلفت الرواية فيه فان في بعض الروايات ان أحبوا قتلوا وان أحبوا فادوا والمفاداة على ميزان المفاعلة يقتضى وجود القتل بين اثنين بالتراضي وذلك أخذ الدية بطريق الصلح وتأويل الرواية التي قال وان أحبوا أخذوا الدية من جهتين إحداهما انه إنما لم يذكر رضا القاتل لان ذلك معلوم ببديهة العقل فان من أشرف على الهلاك إذا تمكن من دفع الهلاك عن نفسه بأداء المال لا يمتنع من ذلك الا من سفهت نفسه لان امتناعه لا بقاء منفعة المال سفه ولا يتصور ذلك بعد ما تلفت نفسه وهو نظير قوله عليه الصلاة والسلام خذ سلمك أو رأس مالك وهو في أخذ رأس المال يحتاج إلي رضا المسلم إليه ولم يذكره لا لأنه غير محتاج إليه بل لأنه معلوم بطريق الظاهر والثاني ان المراد أن لا يجبر الولي على أخذ الدية شاء أو أبى لا ان له أن يجبر غيره على أداء الدية بدليل قصة الحديث فإنه روى أن رجلا من خزاعة قتل رجلا من هذيل يوم فتح مكة بعد ما أمر رسول الله صلى اله عليه وسلم بالكف عن القتل فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أما أنتم يا معاشر خزاعة فقد قتلتم هذا القتيل من هذيل وأنا والله عاقلته فوداه بمائة من الإبل من عند نفسه ثم قال فمن قتل له بعد اليوم قتيل فأهله بين خيرتين فقد أجبر الولي على أخذ الدية ثم تبين بهذا اللفظ ان الحكم قد انتسخ وان الولي لا يجبر على أخذ الدية بعده وفي الحديث الآخر عرض الدية على الولي وهذا لا ينفى كون رضا القاتل مشروطا فيه ولكنه اما أن يكون قصد التبرع بأداء الدية من عنده ولم يعتبر رضا القاتل في هذه الحالة أو أراد أن يعلم رغبة المولى في أخذ الدية ثم يشتغل باسترضاء القاتل كمن سعى بالصلح بين اثنين يسترضى أحدهما فإذا تم له ذلك حينئذ استرضى الآخر والمعنى في المسألة انه أتلف شيئا مضمونا فيتقدر ضمانه بالمثل ما أمكن كاتلاف المال وتفويت حقوق الله تعالى من الصوم والصلاة والزكاة يكون الواجب فيها
(٦٢)