المبسوط - السرخسي - ج ٢٦ - الصفحة ٦١
علي ان كل واحد منهما موجب القتل وان الولي مخير بينهما ولما أتى بالقاتل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عليه السلام للولي أتعفو فقال لا فقال أتأخذ الدية فقال لا فقال القتل فقال نعم ففي هذا بيان أن الولي يستبد بأخذ الدية كما يستبد بالعفو والقتل والمعنى فيه أن هذا اتلاف حيوان متقوم فيكون موجبا ضمان القيمة كاتلاف سائر الحيوانات وقيمة النفس الدية وهذا لان الحيوان ليس من ذوات الأمثال واتلاف المقوم مما لا مثل له يوجب القيمة وقيمة النفس الدية بدليل حالة الخطأ فان الدية إنما تجب بالاتلاف لا بصفة الخطأ لأنه عذر مسقط والمتلف في حالة العمد ما هو المتلف في حالة الخطأ إلا أن الشرع أو جب القصاص بمعنى الانتقام وشفاء الصدر للولي ودفع الغيظ عنه فكان ذلك بخلاف القياس لأنه اتلاف والاتلاف لا يكون واجبا بمقابلة الاتلاف وهو ليس بمثل (ألا ترى) ان الجماعة يقتلون بالواحد ولا مماثلة بين العشرة والواحد فعرفنا أنه ممنوع بمعنى زيادة النظر للولي وذلك في أن لا يسقط حقه في الواجب الأصلي بل يكون متمكنا فيه كما لو قطع يد انسان ويد القاطع شلاء أو ناقصة بإصبع فان القصاص واجب ولصاحب الحق أن يأخذ الأرش بغير رضا الجاني لهذا المعنى ولان النفس محترمة بحرمتين وفى اتلافها هتك الحرمتين جميعا حرمة حق الله تعالى وحرمة حق صاحب النفس وجزاء حرمة الله تعالى العقوبة زجرا وجزاء هتك حرمة العبد الغرامة جبرا ولكن تعذر الجمع بينهما هاهنا لان كل واحد منهما يوجب حقا للعبد حتى يعمل فيه اسقاطه ويورث عنه ويسقط باذنه ولا يجوز الجمع بين الحقين لمستحق واحد بمقابلة محل واحد فأثبتنا الجميع بينهما على سبيل التخيير وقلنا إن شاء مال إلى جانب هتك حرمة حق الله تعالى واستوفى العقوبة وان شاء مال إلى جهة حرمة حق العباد فاستوفى الدية ولا خلاف ان أحد الشريكين في الدم إذا عفا ان للاخر ان يستوفى المال ولو لم يكن المال واجبا له بنفس القتل لما وجب بالعفو لان العفو مسقط ولو وجب بالعفو لوجب على العافي وإن كان محسنا كضمان الاعتاق يجب على المعتق إذا كان موسرا ولما وجب المال للآخر على القاتل عرفنا انه كان واجبا بنفس القتل ولما ظهر ذلك عند العفو في حق من لم يعف فكذلك يظهر في حق العافي إذا عفا عن القصاص فقلنا يتمكن من أخذ المال ولان القاتل في الامتناع من أداء الدية بعد ما استحقت نفسه قصاصا ملق نفسه في التهلكة فيكون ممنوعا شرعا كالمضطر إذا وجد طعاما يشتريه ومعه ثمنه يفترض عليه شراؤه شرعا لهذا المعنى
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»
الفهرست