المبسوط - السرخسي - ج ٢٦ - الصفحة ٦٧
الخطأ انه لا يجب فيه القصاص لان الخطأ موضوع عنا رحمة من الشرع قال الله تعالى وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به وقال ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا وقال عليه السلام رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه فإذا تعذر ايجاب القصاص وجبت الدية بالنص قال الله تعالى ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبته مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله وبينا المعنى فيه لصيانة دم المقتول عن الهدر فاستحقاق صيانة نفسه لا يسقط بعذر الخاطئ ومن موجبه الكفارة فإنها تثبت بهذا النص أيضا والمعنى فيه معقول فان القتل أمر عظيم قل ما يبتلى به المرء من غير قصد ما لم يكن به تهاون في التحرز وعلى كل أحد المبالغة في التحرز لكيلا يبتلى بمثل هذا الامر العظيم فإذا ترك ذلك كان هو ملتزما بترك التحرز فنوجب عليه الكفارة جزاء على ذلك ولان مثل هذا الامر العظيم لا يبتلى به المرء الا بنوع خذلان وهذا الخذلان لا يكون إلا عن ذنوب سبقت منه والحسنة تذهب السيئة قال الله تعالى ان الحسنات يذهبن السيئات فنوجب عليه الكفارة لتكون ماحية للذنوب السابقة فلا يبتلي بمثل هذا الامر العظيم بعدها وفي سيئة العمد معنى ايجاب الكفارة أظهر لما يلحقه من المأثم بالقصد إلى أصل الفعل وفيه حديث وأثلة ابن الأسقع حيث قال أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاحب لناقد أوجب النار بالقتل فقال عليه السلام أعتقوا عنه رقبة يعتق الله تعالى بكل عضو عضوا منه من النار وايجاب النار لا يكون الا بالاقدام على قتل محرم وقد قامت الدلالة على أن الكفارة لا تجب في العمد المحض فعرفنا ان المراد شبه العمد ثم قال الشافعي المعنى في وجوب الكفارة بالقتل انه نقص من عدد المسلمين أحدهم ممن كان يحضر الجمع والجماعات فعليه إقامة نفس مقام ما أتلف ولا يمكنه ذلك احياء فعليه إقامة مقام النفس المتلفة تحريرا لان الحرية حياة والرق تلف وبهذا أوجب الكفارة علي العامد وقلنا نحن إنما أوجب الكفارة عليه لان الشرع سلم له نفسه شكر لله حين أسقط عنه القود بعذر الخطأ مع تحقق اتلاف النفس منه فعليه إقامة نفس مقام نفسه شكرا لله وذلك في أن تحرز نفس منه لتشتغل بعبادة الله وان عجز عن ذلك فعليه صوم شهرين متتابعين شكرا لله حيث سلم له نفسه وبهذا لا نوجب الكفارة علي العامد لان الشرع أوجب عليه القصاص ونوجبها في شبه العمد لان الشرع سلم له نفسه تخفيفا عليه وترجيح أحد المعنيين على الآخر يبين في مسألة كفارة العمد إذا انتهينا إليها إن شاء الله تعالى وليس في هذه الكفارة اطعام عندنا وفي أحد قولي الشافعي إذا عجز عن الصوم يطعم ستين مسكينا بالقياس على كفارة
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»
الفهرست