من أجل ذلك كتبنا علي بني إسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا وقال النبي عليه السلام إلا أن أعباء الناس ثلاثة رجل قتل غير قاتل أبيه ورجل قتل قبل أن يدخل الجاهلية ورجل قتل في الحرم وقال في خطبته بعرفات ألا إن دماء كم ونفوسكم محرمة عليكم كحرمة يومى هذا في شهري هذا في مقامي هذا ولما قتل محلم بن جنامة رجلا من أهل الجاهلية قال النبي عليه السلام لا يرحم فدفن بعد موته فلفظته الأرض ثم دفن فلفظته الأرض فقال أما انها تقبل من هو أعظم جرما منه ولكن الله أراكم حرمة القتل وفى قتل النفس افساد العالم ونقض البنية ومثل هذا الفساد من أعظم الجنايات ومعلوم ان الجاني مأخوذ عن الجناية الا انه لو وقع الاقتصار على الزجر بالوعيد في الآخرة ما انزجر الا أقل القليل فان أكثر الناس إنما ينزجرون مخافة العاجلة بالعقوبة وذلك بما يكون متلفا للجاني أو مجحفا به فشرع الله القصاص والدية لتحقق معنى الزجر وهذا الكتاب لبيان ذلك وقد سماه محمد رحمه الله كتاب الديات لان وجوب الدية بالقتل أعم من وجوب القصاص فان الدية تجب في الخطأ وفي شبه العمد وفي العمد عند تمكن الشبهة وكذلك الدية تتنوع أنواعا والقصاص لا يتنوع فلهذا رجح جانب الدية في نسبة الكتاب إليها واشتقاق الدية من الأداء لأنها مال مؤدى في مقابلة متلف ليس بمال وهو النفس والأرش الواجب في الجناية على ما دون النفس مؤدى أيضا وكذلك القيمة الواجبة في سائر المتلفات إلا أن الدية اسم خاص في بدل النفس لان أهل اللغة لا يطردون الاشتقاق في جميع مواضعه لقصد التخصيص بالتعريف وسمى بدل النفس عقلا أيضا لأنهم كانوا اعتادوا ذلك من الإبل فكانوا يأتون بالإبل ليلا إلى فناء أولياء المقتول فيعقلونها فتصبح أولياء القتيل والإبل معقولة بفنائهم فلهذا سموه عقلا * ثم بدأ الكتاب فقال قال أبو حنيفة رحمه الله القتل علي ثلاثة أوجه عمد وخطأ وشبه العمد والمراد به بيان أنواع القتل بغير حق فيما يتعلق به من الاحكام كان أبو بكر الرازي يقول القتل على خمسة أوجه عمد وشبه عمد وخطأ وما أجرى مجرى الخطأ وما ليس بعمد ولا خطأ ولا أجرى مجرى الخطأ أما العمد فهو ما تعمدت ضربه بسلاح لان العمد هو القتل وقصد ازهاق الحياة وهي غير محسوسة لقصد أخذها فيكون القصد إلى ازهاق الحياة بالضرب بالسلاح الذي هو جارح عامل في الظاهر والباطن جميعا ثم المتعلق بهذا الفعل أحكام منها المأثم وذلك منصوص عليه في قوله ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا
(٥٩)