ولكنهم يمرون في أرضه ومشرعته بغير إذنه لان الموضع موضع الحاجة والضرورة فالماء سبب لحياة العالم قال الله تعالى وجعلنا من الماء كل شئ حي فإذا لم يجدوا طريقا آخر كان هذا الطريق متعينا لوصولهم منه إلى حاجتهم فليس له أن يمنعهم من ذلك فإن كان لهم طريق غير ذلك كان له أن يمنعهم من ذلك لأنه لا ضرورة إلى التطرق في ملكه وهو نظير من أصابته مخمصة يباح له أن يتناول من طعام الغير فإن كان عنده مثل ذلك الطعام لم يكن له أن يتناول من طعام الغير بغير إذنه إلا أن هناك عند الضرورة يجب الضمان لما في التناول من اتلاف مال متقوم على صاحبه وهنا ليس في المرور بين أرضه اتلاف شئ عليه وإذا كان لرجل نهر في أرض رجل فأراد أن يدخل في أرضه ليعالج من النهر شيئا فمنعه رب الأرض من ذلك فليس له أن يدخل أرضه إلا أن يمضى في بطن النهر وكذلك القناة والبئر والعين لأنه لا حق له في أرضه ولا نفع للحاجة إلى التطرق في أرضه لتمكنه من تحصيل مقصوده بان يمضى في أرض النهر مع أن هذا فيه ضرر خاص وفى الأول ضرر عام وقد يتحمل عند الحاجة إلى دفع الضرر العام ما لا يتحمل عند الحاجة إلى دفع الضرر الخاص فإن كان له طريق في الأرض فله أن يمر في طريقه إلى النهر والعين والقناة لأنه يستوفى ما هو مستحق له وإذا اصطلح الرجلان على أن يخرجا نفقة يحفران بها بئرا في أرض موات على أن يكون البئر لأحدهما والحريم للآخر لم يجز لأنهما قصدا التفرق بين شيئين ثبت الجمع بينهما شرعا وهو البئر والحريم ثم استحقاق الحريم على طريق التبع لتمكن الانتفاع به من البئر فلا يجوز أن يستحق بالشرط مقصودا منفصلا عن البئر ثم في هذا الشرط اضرار بصاحب الأرض لأنه لا يتمكن من الانتفاع ببئره من غير حريم واعتبار الشرط للمنفعة لا للضرر وسواء كانت المنفعة بينهما مختلفة أو متفقة وان اشترطا أن يكون الحريم والبئر بينهما نصفين على أن ينفق أحدها أكثر مما ينفق الآخر لم يجز لان النفقة عليهما بقدر الملك فشرط المناصفة في الملك يوجب أن تكون النفقة بينهما نصفين شرعا فيكون اشتراط زيادة النفقة على أحدهما مخالفا لحكم الشرع فان فعلا كذلك رجع صاحب الأكثر بنصف الفضل على صاحبه لأنه أنفق بأمر صاحبه فلا يكون متبرعا في حصة صاحبه وإذا كانت بئر في أرض بين رجلين فباع أحدهما نصيبه من البئر بطريقه في الأرض فان ذلك لا يجوز لأنه ببيع طريقا بينه وبين آخر وأحد الشريكين في الأرض لا يملك أن يبيع طريقا فيها لا برضا شريكه ولو باع نصف البئر بغير طريق جاز
(١٩٢)