مخالفا لحكم الله تعالى فأما الذي يكون مخالفا لحكم الله تعالى لا يجوز اشتراطه في الصلح لقوله صلى الله عليه وسلم كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط معناه ليس في حكم الله تعالى فالمراد بالكتاب الحكم كما قال الله تعالى كتاب الله عليكم وذكر عن علي كرم الله وجهه انه أتاه رجلان يختصمان في بغل فجاء أحدهما بخمسة رجال فشهدوا انه أنتجه وجاء الآخر بشاهدين شهدا انه أنتجه فقال علي كرم الله وجهه للقوم ما ترون فقالوا اقض لأكثرهما شهودا فقال علي رضي الله عنه لعل الشاهدين خير من الخمسة ثم قال علي رضي الله عنه فيها قضاء وصلح وسأنبئكم بذلك أما الصلح فإنه يقسم بينهما على عدد الشهود وأما القضاء فيحلف أحدهما ويأخذ البغل فان تشاحا على اليمين أقرعت بينهما بخمسة أسهم ولهذا سهمين فأيهما خرج سهمه استحلفته وغلظت عليه اليمين ويأخذ البغل وفي هذا دليل على أن البينة على النتاج مقبولة في الحيوان وان القاضي ينبغي له عند الاشتباه ان يستشير جلساءه كما فعله علي رضي الله عنه ثم أشاروا على بالقضاء لأكثرهما شهودا لنوع من الظاهر وهو ان طمأنينة القلب إلى قول الخمسة أكثر من طمأنينة القلب إلى المثنى ورد علي رضي الله عنه ذلك عليهم لفقه خفى وهو ان طمأنينة القلب باعتبار معنى العدالة فلذلك ترجح جانب الصدق في الخبر ولعل الشاهدين في ذلك خير من الخمسة ثم الترجيح عند التعارض يكون بقوة العلة لا بكثرة العلة وفى حق من أقام خمسة زيادة عدد في العلة فشهادة كل شاهدين حجة تامة يثبت الاستحقاق بها والترجيح بما لا يثبت الاستحقاق به ابتداء فأما ما يثبت به ابتداء الاستحقاق لا يقع الترجيح به فلهذا لم يرجح أكثرهما شهودا ثم قال فيه قضاء وصلح وهو دليل على أن الصلح جائز على غير الوجه الذي يقتضيه الحكم وان الصلح بين الخصمين مع الانكار جائز ثم بين وجه الصلح وهو أن يكون بينهما على عدد الشهود لأحدهما خمسة أسباعه وللآخر سبعاه وكأنه اعتبر هذا الظاهر الذي أشار إليه القوم ولكن لما كأن لا يؤخذ به الا عند اتفاق الخصمين عليه سماه صلحا وأما القضاء لأحدهما بأخذ البغل فهذا مذهب لعلي رضي الله عنه فقد كان يستحلف المدعى مع البينة وكان يحلف الشاهد والراوي فكأنه جعل يمين أحدهما مرجحة لجانبه باعتبار ان الاستحقاق باليمين لا يثبت ابتداء فيقع الترجيح بها كقرابة الأم في استحقاق العصوبة فان الأخ لأب وأم يقدم في العصوبة على الأخ لأب لان العصوبة لا تثبت بقرابة الأم ابتداء فتقوى بها عليه العصوبة على الأخ لأب ولسنا نأخذ بهذا فقد ثبت
(١٣٨)