الوكيل التصرف بنفسه بعد الموكل ملك التفويض إلى غيره بالوكالة كما في حقوق نفسه ولكنا نقول الموكل وصى برأي الوكيل الأول والناس يتفاوتون في الرأي فلا يكون رضاه برأيه فيما يحتاج فيه إلى الرأي رضا برأي غيره وكان هو في توكيل الغير به مباشره غير ما أمره به الموكل ومتصرفا على خلاف ما رضى به فلا يجوز إلا أن يبيع الوكيل الثاني بمحضر من الوكيل الأول فحينئذ يجوز عندنا استحسانا وعند زفر رحمه الله لا يجوز كما لو باعه في حال غيبته وهذا لان حقوق العقد إنما تتعلق بالعاقد والموكل إنما رضى بان تتعلق الحقوق بالوكيل الأول دون الثاني ولو جاز بيع الثاني بمحضر من الأول تعلقت الحقوق به دون الأول ولكنا نقول مقصود الموكل من هذا أن يكون تمام العقد برأي الوكيل الأول وإن كان هو حاضرا فاتمام العقد برأيه فكان مقصوده حاصلا بخلاف ما إذا كان عاما والدليل عليه أنه إذا كان حاضرا يصير كأنه هو المباشر للعقد (ألا ترى) ان الأب إذا زوج ابنته البالغة بشهادة رجل واحد بحضرتها يجعل كأنها هي التي باشرت العقد حتى يصلح الأب أن يكون شاهدا ولا معتبر بالعقد فإنه لو باعه غيره فأجاز الوكيل جاز لان تمام العقد برأيه وان كانت حقوق العقد تتعلق بالمباشر عند الإجازة فكذلك إذا باع بمحضر منه ولو كانا وكيلين في إجارة أو بيع ففعل ذلك أحدهما دون الآخر لم يجز لان الموكل رضى برأيهما ورأي أحدهما لا يكون برأيهما وهذا بخلاف الوكيلين بالخصومة لان هناك يتعذر اجتماعهما على الخصومة فيكون الموكل راضيا بخصومة كل واحد منهما على الانفراد وهنا اجتماعهما في العقد يتيسر وهذا عقد يحتاج فيه إلى الرأي والتدبير فلا ينفرد به أحدهما إذا رضى الموكل برأيهما وكذلك المرمة والبناء في هذا ولو باعه الوكيل بالبيع من نفسه أو من ابن له صغير لم يجز وان صرح الموكل بذلك لان الواحد في باب البيع إذا باشر العقد من الجانبين يؤدى إلى تضاد الاحكام فإنه يكون مستردا مستقضيا قابضا مسلما مخاصما في العيب ومخاصما وفيه من التضاد ما لا يخفى ولو باعه له من ابن له كبير أو امرأته أو واحد ممن لا تجوز شهادته له لم يجز ذلك في قول أبي حنيفة رحمه الله بمطلق الوكالة أيضا ويجوز في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله الا من عبده ومكاتبه هكذا أطلق الجواب في كتاب البيوع والوكالة وفى المضاربة يقول بيعه من هؤلاء بمثل القيمة يجوز وإنما الخلاف في البيوع بالغبن البين فمن أصحابنا رحمهم الله من يقول من يقيس هناك يقيس في الوكالة أيضا ومنهم من فرق بين الوكيلين والمضارب ثم وجه قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله
(٣٢)