المبسوط - السرخسي - ج ١١ - الصفحة ٧٩
ما هو متقوم فيضمن بالاتلاف وإن لم يكن مالا كالنفوس والابضاع وبفضل العقد الفاسد يتبين المماثلة بين العين والمنفعة في المالية لأن الضمان بالعقد الفاسد يتقدر بالمثل شرعا كما بالاتلاف وهذا بخلاف رائحة المسك فان من اشتم مسك غيره لا يضمن شيئا لان الرائحة ليست بمنفعة ولكنها بخار يفوح من العين كدخان الحطب ولهذا لا يملك بعقد الإجارة حتى لو استأجر مسكا ليشمه لا يجوز ولا يضمن بالعقد أيضا صحيحا كان أو فاسدا. وحجتنا في ذلك حديث عمر وعلي رضي الله عنهما فإنهما حكما في ولد المغرور أنه حر بالقيمة وأوجبا على المغرور رد الجارية مع عقرها ولم يوجبا قيمة الخدمة مع علمهما ان المغرور كان يستخدمها ومع طلب المدعى بجميع حقه فلو كان ذلك واجبا له لما حل لهما السكوت عن بيانه وبيان العقر منهما لا يكون بيانا لقيمة الخذمة لان المستوفى بالوطئ في حكم جزء من العين ولهذا يتقوم عند الشبهة بخلاف المنفعة والمعنى فيه أن المنفعة ليست بمال متقوم فلا تضمن بالاتلاف كالخمر والميتة. وبيانه أن صفة المالية للشئ إنما تثبت بالتمول والتمول صيانة الشئ وادخاره لوقت الحاجة والمنافع لا تبقى قويين ولكنها اعراض كما تخرج من حيز العدم إلى حيز الوجود تتلاشى فلا يتصور فيها التمول ولهذا لا يتقوم في حق الغرماء والورثة حتى أن المريض إذا أعان انسانا بيديه أو أعاره شيئا فانتفع به لا يعتبر خروج تلك المنفعة من الثلث وهذا لان المتقوم لا يسبق الوجود فان المعدوم لا يوصف بأنه متقوم إذ المعدوم ليس بشئ وبعد الوجود التقوم لا يسبق الاحراز والاحراز بعد الوجود لا يتحقق فيما لا يبقي وقتين فكيف يكون متقوما وعلي هذا نقول الاتلاف لا يتصور في المنفعة أيضا لان فعل الاتلاف لا يحل المعدوم وبعد الوجود لا يبقي لحله فعل الاتلاف واثبات الحكم بدون تحقق السبب لا يجوز فأما بالعقد يثبت للمنفعة حكم الاحراز والتقوم شرعا بخلاف القياس وكان ذلك باعتبار إقامة العين المنتفع به مقام المنفعة لأجل الضرورة والحاجة ولا تتحقق مثل هذه الحاجة في العدوان فتبقى الحقيقة معتبرة وباعتبارها ينعدم التقوم والاتلاف وفى الصداق واستئجار الولي إنما يظهر حكم الاحراز والتقوم بالعقد للحاجة والمال اسم لما هو مخلوق لإقامة مصالحنا به ولكن باعتبار صفة التمول والاحراز وكما تتفاوت قيمة العين بتفاوت المنفعة تتفاوت قيمة الطيب بتفاوت الرائحة ولم يدل ذلك على كونه مالا متقوما ولئن سلمنا أن المنفعة مال متقوم فهو دون الأعيان في المالية وضمان العدوان مقدر بالمثل بالنص ألا ترى أن المال لا يضمن بالنسبة والدين لا يضمن (6 مبسوط حادي عشر)
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»
الفهرست