لا طريق إلى معرفة ذلك حقيقة فالانسان قد لا يعرف من نفسه حقيقة الفقر والغنى فكيف يعرفه من غيره والتكليف يثبت بحسب الوسع والذي في وسعه الاستدلال على فقره بدليل ظاهر من سؤال أو هيئة عليه أو جلوس في صف الفقراء وعند انعدام ذلك كله المصير إلى غالب الرأي وقد أتى بذلك وإنما يكتفي بهذا القدر لمعنى الضرورة ولا يرتفع ذلك بظهور حاله بعد الأداء لأنه ليس له أن يسترد المقبوض من القابض ولا أن يضمنه بالاتفاق فلو لم يجز عنه ضاع ماله فلبقاء الضرورة قلنا يجعل المؤدى مجزيا عنه ولأنه لا يعلم حقيقة غناه وإنما يعرف ذلك بالاجتهاد وما أمضى بالاجتهاد لا ينقض باجتهاد مثله وتعلق الأحكام الشرعية بالغنى لا يدل على أنه يعرف صفة الغني حقيقة لان الاحكام تنبنى على ما يظهر لنا كما ينبنى الحكم على صدق الشهود وان كأن لا يعلم حقيقة وبه فارق النص لأنه يوقف عليه حقيقة فكان المجتهد مطالبا بالوصول إليه وإن كان قد تعذر إذا كان يلحقه الحرج في طلبه فإذا ظهر بطل حكم الاجتهاد وكذلك نجاسة الماء ونجاسة الثوب يعرف حقيقة فيبطل بظهور النجاسة حكم الاجتهاد في الطهارة ولا نقول في الزكاة حق الفقراء بل هي محض حق الله تعالى والفقير مصرف لا مستحق كالكعبة لأداء الصلاة جهة تستقبل عند أدائها والصلاة تقع لله تعالى ثم هناك يسقط عنه الواجب إذا أتي بما في وسعه ولا معتبر بالتبين بعد ذلك بخلافه فكذلك هنا ولو تبين أن المدفوع إليه كان أبا الدافع أو ابنه فهو على هذا الاختلاف أيضا وذكر ابن شجاع عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه لا يجزئه هنا كما هو قول أبى يوسف رحمه الله تعالى أما طريق أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه من لا يكون مصرفا للصدقة مع العلم بحاله لا يكون مصرفا عند الجهل بحاله إذا تبين الامر بخلافه وجه رواية ابن شجاع أن النسب مما يعرف حقيقة ولهذا لو قال لغيره لست لأبيك لا يلزم الحد والحد يدرأ بالشبهة فكان ظهور النسب بمنزلة ظهور النص بخلاف الاجتهاد وجه ظاهر الرواية ما احتج به في الكتاب فإنه روى عن إسرائيل عن أبي الجويرية عن معن بن يزيد السلمي قال خاصمت أبى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى لي عليه وذلك أن أبى أعطى صدقته الرجل في المسجد وأمره بأن يتصدق بها فأتيته فأعطانيها ثم أتيت أبى فعلم بها فقال والله يا بنى ما أياك أردت بها فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا يزيد لك ما نويت ويا معن لك ما أخذت ولا معني لحمله على التطوع لان ترك الاستفسار من رسول الله صلى
(١٨٨)