المبسوط - السرخسي - ج ١٠ - الصفحة ١٩٠
ذكر في كتاب الزكاة وفي جامع البرامكة روى أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى الفرق بين الذمي والحربي المستأمن فقال قد نهينا عن البر مع من يقاتلنا في ديننا فلا يكون فعله في ذلك قربة وبدون فعل القربة لا يتأدى الواجب ولم ننه عن المبرة مع من لا يقاتلنا قال تعالى لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين فيكون فعله في حق الذمي قربة يتأدى به الواجب عند الاشتباه ولو تبين أن المدفوع إليه عبده أو مكاتبه لا يجزئه لقصور فعله فان الواجب عليه بالنص الايتاء وذلك لا يكون الا باخراجه عن ملكه وجعله لله تعالى خالصا وكسب العبد مملوك له وله في كسب المكاتب حق الملك فبقاء حقه يمنع جعله لله تعالى خالصا وهذا بخلاف ما لو تبين أن المدفوع إليه عبد لغني أو مكاتب له فإنه يجزئه وفي حق المكاتب مع العلم أيضا ولا ينظر إلى حال المولى لان اخراجه من ملكه على وجه التقرب هناك فصار لله تعالى خالصا فأما في عبد نفسه ومكاتبه لم يتم اخراجه عن ملكه وبقاء حقه يمنعه أن يصير لله تعالى خالصا فلهذا لا يسقط به الواجب والأصل في فريضة التوجه إلى الكعبة للصلاة قوله تعالى فول وجهك شطر المسجد الحرام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة يصلى إلى بيت المقدس ويجعل البيت بينه وبين بيت المقدس فلما هاجر إلى المدينة اضطر إلى استدبار الكعبة والتوجه إلى بيت المقدس وكان يحب أن تكون الكعبة قبلته كما كانت قبلة إبراهيم صلوات الله عليه فسأل جبريل عليه السلام ان يسأل الله له في ذلك وكان يديم النظر إلى السماء رجاء ان يأتيه جبريل عليه السلام بذلك فأنزل الله تعالى قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها الآية ثم لا خلاف في حق من هو بمكة ان عليه التوجه إلى عين الكعبة فاما من كان خارجا من مكة فقد كان أبو عبد الله الجرجاني يقول الواجب على التوجه إلى عين الكعبة أيضا لظاهر الآية ولان وجوب ذلك لاظهار تعظيم البقعة فلا يختلف بالقرب منه والبعد وغيره من مشايخنا رحمهم الله يقول الواجب في حق من هو خارج عن مكة التوجه إلى الجهة لان ذلك في وسعه والتكليف بحسب الوسع ومعرفة الجهة اما بدليل يدل عليه أو بالتحري عند انقطاع الأدلة فمن الدليل المحاريب المنصوبة في كل موضع لان ذلك كان باتفاق من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم فان الصحابة رضي الله عنهم فتحوا العراق وجعلوا القبلة ما بين المشرق والمغرب ثم فتحوا خراسان وجعلوا قبلة أهلها ما بين المغربين مغرب الشتاء ومغرب الصيف فكانوا يصلون إليها ولما ماتوا جعلت قبورهم
(١٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 ... » »»
الفهرست