والعمرة لأنهما النسكان المتعلقان بالبيت لا يتوصل إلى أدائهما الا بالاحرام والا بالذهاب إلى ذلك الموضع ثم يتخير ان شاء مشى وان شاء ركب وأراق دما لحديث عقبة بن عامر أنه قال يا رسول الله ان أختي نذرت أن تحج ماشية فقال صلى الله عليه وسلم ان الله غني عن تعذيب أختك مرها فلتركب ولترق دما ولان النسك بصفة المشي يكون أتم على ما روى أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بعدما كف بصره كأن يقول لا أتأسف على شئ كتأسفي على أن لا أحج ماشيا فان الله تعالى قدم المشاة فقال يأتوك رجالا وعلى كل ضامر فإذا ركب فقد أدخل فيه نقصا ونقائص النسك تجبر بالدم وان اختار المشي فالصحيح من الجواب أنه يمشي من بيته إلى أن يفرغ من أفعال الحج وما سواه فيه من الكلام قد بيناه في المناسك وقد ذكرنا أنه ثمان فصول في ثلاث يلزم بلا خلاف في المشي إلى بيت الله تعالى أو الكعبة أو مكة وفي ثلاث لا يلزمه شئ بالاتفاق وهو إذا نذر الذهاب إلى مكة أو السفر إلى مكة أو الركوب وفى فصلين خلاف وهو ما إذا نذر المشي إلى الحرم أو المسجد الحرام كان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يأخذ فيهما بالقياس وهما بالاستحسان ولو حلف بالمشي إلى بيت الله وهو ينوى مسجدا من المساجد سوى المسجد الحرام لم يلزمه شئ لان المنوي من محتملات لفظه فالمساجد كلها بيوت الله تعالى على معنى أنها تجردت عن حقوق العباد فصارت معدة لإقامة الطاعة فيها لله تعالى فإذا عملت نيته صار المنوي كالملفوظ به وسائر المساجد يتوصل إليها بغير احرام فلا يلزمه بالتزام المشي إليها شئ ومسجد بيت المقدس ومسجد المدينة في ذلك سواء عندنا بخلاف المسجد الحرام فإنه لا يتوصل إليه الا بالاحرام والملتزم بالاحرام يلزمه أحد النكسين المختص أداؤهما بالاحرام وهو الحج أو العمرة وإذا قال أنا أحرم ان فعلت كذا أو أنا محرم أو أهدي أو أمشى إلى البيت وهو يريد أن يعد من نفسه عدة ولا يوجب شيئا فليس عليه شئ لان ظاهر كلامه وعد فإنه يخبر عن فعل يفعله في المستقبل والوعد فيه غير ملزم وإنما يندب إلى الوفاء بما هو قربة منه من غير أن يكون ذلك دينا عليه وان أراد الايجاب لزمه ما قال لان المنوي من محتملات لفظه فان الفعل الذي يفعله في المستقبل قد يكون واجبا وقد يكون غير واجب فإذا أراد الايجاب فقد خص أحد النوعين بنيته وتعليقه بالشرط دليل على الايجاب أيضا لأنه يدل على أنه يثبت عند وجود الشرط ما لم يكن ثابتا من قبل وهو الوجوب دون التمكن من الفعل فإنه لا يختلف بوجود الشرط
(١٣٨)