المبسوط - السرخسي - ج ٥ - الصفحة ٧
(قال) وإذا مات زوج البكر قبل أن يدخل بها بعد ما خلا بها زوجها أبوها بعد انقضاء العدة كما تزوج البكر لان صفة البكارة قائمة والحياء الذي هو علة قائم فان بوجوب العدة والمهر لا يزول الحياء فلهذا يكتفى بسكوتها وان جومعت بشبهة أو نكاح فاسد لم يجز تزويجها بعد ذلك برضاها ولا يكتفي بسكوتها في هذا الموضع لأنها ثيب لقوله صلى الله عليه وسلم والثيب تشاور فاما إذا زنت يكتفى بسكوتها عند التزويج عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعند أبي يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله تعالى لا يكتفى بسكوتها لأنها ثيب لان الثيب اسم لامرأة يكون مصيبها عائدا إليها مشتق من قولهم ثاب أي رجع والبكر اسم لامرأة مصيبها يكون أول مصيب لها لان البكارة عبارة عن أولية الشئ ومنه يقال لأول النهار بكرة وأول الثمار باكورة والدليل عليه انها تستحق من الوصية للثيب دون الوصية للابكار وإذا كانت ثيبا وجب مشورتها بالنص ولا يجوز الاشتغال بالتعليل مع هذا لأنه يكون تعليلا لابطال حكم ثابت بالنص ولان الحياء بعد هذا يكون رعونة منها فإنها لما لم تستح من إظهار الرغبة في الرجال على أفحش الوجوه كيف تستحي من إظهار الرغبة على أحسن الوجوه بخلاف حياء البكر لأنه حياء كرم الطبيعة وذلك أمر محمود وهذه لو كان فيها حياء إنما هو استحياء من ظهور الفاحشة وذلك غير ما ورد فيه النص ولكن أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول صاحب الشرع إنما يجعل سكوتها رضا لا للبكارة بل لعلة الحياء فان عائشة رضى الله تعالى عنها لما أخبرت أنها تستحي فحينئذ قال سكوتها رضاها وغلبة الحياء هنا موجودة فإنها وان أبتليت بالزنا مرة لفرط الشبق أو أكرهت على الزنا لا ينعدم حياؤها بل يزداد لان في الاستنطاق ظهور فاحشتها وهي تستحي من ذلك غاية الاستحياء وهذا الاستحياء محمود منها لأنها سترت ما على نفسها وقد أمرت بذلك قال صلى الله عليه وسلم من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله وقبل هذا الفعل إنما كانت لا تستنطق لان الاستنطاق دليل ظهور رغبتها في الرجال فإذا سقط نطقها في موضع يكون النطق دليل رغبتها في الرجال على أحسن الوجوه فلان يسقط نطقها في موضع يكون النطق دليل الرغبة في الرجال على أفحش الوجوه كان أولى بخلاف ما إذا وطئت بشبهة أو بنكاح فاسد لان الشرع أظهر ذلك الفعل عليها حين ألزم المهر والعدة وأثبت النسب بذلك الفعل وهنا الشرع ما أظهر ذلك عليها إذ لم يعلق به شيئا من الاحكام وأمرها بالستر على نفسها فان
(٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»
الفهرست