ووجه هذه الرواية أن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده فتحت الأمصار ولم يتخذ أحد منهم في كل مصر أكثر من مسجد واحد لإقامة الجمعة ولو جاز اقامتها في موضعين جاز في أكثر من ذلك فيؤدى إلى القول بأن يصلى أهل كل مسجد في مسجدهم وأحد لا يقول بذلك وفي تجويز إقامة الجمعة في موضعين في مصر واحد تقليل الجماعة وإقامة الجمعة من أعلام الدين فلا يجوز القول بما يؤدى إلى تقليلها. ووجه الرواية الأخرى أن المصر قد يكون متباعد الجوانب فيشق على الشيوخ والضعفاء التحول من جانب إلى جانب لإقامة الجمعة فلدفع هذه العسر جوزنا اقامتها في موضعين والأصل فيه حديث علي رضي الله عنه حين خرج يوم العيد إلى الجبانة استخلف من يصلى بالضعفة في المسجد الجامع وما ثبت بالضرورة يتقدر بقدرها وهذه الضرورة ترتفع بتجويزها في موضعين فلا نجوزها في أكثر من ذلك وجه قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قول النبي صلى الله عليه وسلم لا جمعة ولا تشريق الا في مصر جامع فإنما شرط لإقامة الجمعة المصر الواحد وهذا الشرط في حق كل فريق ولان الحرج مدفوع وفى القول بأنه لا تجوز اقامتها الا في موضع واحد معنى الحرج ومعنى تهييج الفتنة فقد يكون بين أهل مصر واحد اختلاف على وجه لو اجتمعوا في موضع كان ذلك سببا لتهييج الفتنة وقد أمرنا بتسكينها فلهذا جوزنا اقامتها في موضعين وأكثر من ذلك ولو خرج الامام يوم الجمعة إلى الاستسقاء وخرج معه ناس كثير وخلف انسانا فصلى بهم في المسجد الجامع وصلى هو بمن معه الجمعة في الجبانة وهو على غلوة من المصر فصلاة الفريقين جائزة لان فناء المصر في حكم جوف المصر فكان هذا وما لو صلى الامام في جوف المصر سواء ثم المصر كما يشترط لإقامة الجمعة يشترط لإقامة صلاة العيد وهو إنما يؤدى في الجبانة على غلوة من المصر أو أكثر من ذلك فكذلك تجوز إقامة الجمعة في مثل هذا الموضع * فان قيل أليس في حق المسافر هذا الموضع في حكم المفازة لا في حكم جوف المصر حتى أن من خرج من أهل هذا المصر على نية السفر يصلى صلاة المسافرين في هذا الموضع ومن قدم مسافرا من أهل هذا المصر فانتهى إلى هذا الموضع صلى صلاة المسافرين أيضا فكذلك في حق إقامة الجمعة ينبغي أن يجعل هذا الموضع بمنزلة المفازة قلنا فناء المصر موضع معد لحوائج أهل المصر بإقامتهم في المصر لا بإقامتهم في فنائها وإنما يتغير فرض المسافر بالإقامة فيعتبر فيه موضع الإقامة وهو ما بين الأبنية وأما إقامة صلاة الجمعة والعيدين
(١٢١)