المبسوط - السرخسي - ج ١ - الصفحة ١٢٣
وأما المحبوس في السجن فإن كان في موضع نظيف وهو لا يجد الماء كان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول إن كان خارج المصر صلى بالتيمم وإن كان في المصر لم يصل وهو قول زفر رضى الله تعالى عنه ثم رجع فقال يصلى ثم يعيد وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى. وجه قوله الأول أن عدم الماء في المصر غير معتبر شرعا حتى لا يسقط عنه الفرض بالتيمم ويلزمه الإعادة فلم يكن التيمم طهورا له ولا صلاة الا بطهور. وجه قوله الآخر أن عدم الماء في المصر إنما لا يعتبر لأنه لا يكون الا نادرا فأما في السجن فعدم الماء ليس بنادر فكان معتبرا فأمر بالصلاة بالتيمم لعجزه عن الماء فأما الإعادة ففي القياس لا يلزمه وهو رواية عن أبي يوسف رحمه الله تعالى كما لو كان في السفر وفى الاستحسان يعيد لأن عدم الماء كان لمعنى من العباد ووجوب الصلاة عليه بالطهارة لحق الله تعالى فلا يسقط بما هو من عمل العباد بخلاف المسافر فان هناك جواز التيمم لعدم الماء لا للحبس فلا صنع للعباد فيه فهو نظير المقيد إذا صلى قاعدا تلزمه الإعادة إذا رفع القيد عنه بخلاف المريض * وإن كان محبوسا في مكان قذر لا يجد صعيدا طيبا ولا ماء يتوضأ به فإنه لا يصلى في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى. وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى يصلى بالايماء تشبها بالمصلين واختلفت الروايات عن محمد رحمه الله تعالى فذكر في الزيادات ونسخ أبى حفص رحمه الله تعالى من الأصل كقول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفى نسخ أبي سليمان رحمه الله تعالى ذكر قوله كقول أبى يوسف رحمه الله تعالى ووجهه ان العاقل المسلم لا يجوز أن يمضى عليه وقت الصلاة وهو لا يتشبه بالمصلين فيه بحسب الامكان والتكليف إنما يثبت بحسب وسعه ووجه قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن الصلاة بغير طهور معصية ولا يحصل التشبه بالمصلين فيما هو معصية وقد تقدم نظيره. ومن نظائره الهارب من العدو ماشيا والمشتغل بالقتال في حال المسايفة والسابح في البحر بعد ما انكسرت السفينة عند أبي يوسف رحمه الله تعالى يصلون بالايماء تشبها ثم يعيدون. وعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لا يصلون لان مع العمل من القتال والسباحة والمشي لا تكون الصلاة قربة وفى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم شغل عن أربع صلوات يوم الخندق لكونه كان مشغولا بالقتال فدل أنه لا يصلى في هذه الحالة * قال (مسافر جنب غسل فرجه ووجهه وذراعيه ورأسه ثم أهراق الماء فتيمم وافتتح الصلاة ثم قهقه فيها ووجد الماء فعليه أن يغسل وجهه وذراعيه ويمسح برأسه ويغسل
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»
الفهرست