والأظهر من القولين التحريم لحديث الموطأ والصحيحين عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): إن الله ينهاكم أن تحلفوا اليمين بالطلاق والعتاق وقد نصبوا على تأديب الحالف بهما ولا يكون الأدب في المكروه إلا أن يقال إطلاق الايمان عليهما مجاز، ألا ترى إلى حروف القسم لا تدخل عليهما انتهى. وقال القرطبي في شرح قوله (ص): إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم إنما نهى عن ذلك لأن فيه تعظيم غير الله بمثل ما يعظم به الله وذلك ممنوع، وهذا جار في كل محلوف به غيره تعالى. وإما ذكر الآباء لأنه السبب الذمي أثار الحديث حين سمع عمر يحلف بأبيه ويشهد له قوله: من كان حالفا فليحلف بالله فظاهر النهي التحريم، فيتحقق فيما إذا حلف بملة غير الاسلام أو بشئ من المعبودات دون الله أو كانت الجاهلية تحلف به كالدماء والأنصاب فهذا لا يشك في تحريمه، وأما الحلف بالآباء والاشراف ورؤوس السلاطين وحياتهم ونعمتهم ومشاكل ذلك فظاهر هذا الحديث تناولهم بحكم عمومه. ولا ينبغي أن يختلف في تحريمه. وأما ما كان معظما في الشرع مثل النبي والكعبة والعرش والكرسي وحرمة الصالحين فأصحابنا يطلقون على الحلف بها الكراهة، وظاهر الحديث وما قدمناه من النظر في المعنى يقتضي التحريم انتهى. وتقدم في التوضيح أن الأظهر من القولين التحريم. وقال في الشامل: هو المشهور. وقال ابن ناجي: واختلف في اليمين بما هو مخلوق فقيل ممنوع قاله اللخمي ونحوه قول ابن بشير أنه حرام، وقيل مكروه قاله ابن رشد وصرح الفاكهاني بأن المشهور الكراهة، وهذا إذا كان الحالف بهذه الأشياء المعظمة صادقا، وأما إن حلف بها كاذبا فلا شك في التحريم لأنه كذب والكذب محرم واستهزاء بالمحلوف به المعظم في الشرع، بل ربما كان كفرا والعياذ بالله، إن كان في حق النبي (ص) ونحوه والله أعلم. وقال في الذخيرة: قاعدة توحيد الله تعالى بالتعظيم ثلاثة أقسام: واجب إجماعا كتوحيده بالعبادة والخلق والأرزاق فيجب على كل أحد أن لا يشرك معه تعالى غيره في ذلك وما ليس بواجب إجماعا كتوحيده بالوجود والعلم ونحوهما فيجوز أن يتصف بذلك غير إجماعا، ويختلف فيه كالحلف به تعالى فإنه تعظيم له. واختلف العلماء هل يجوز أن يشرك فيه معه غيره أم لا؟ وإذا
(٤٠٤)