من أحرم بالحج من الحل، فأفاد كلامه شيئين: أحدهما أن الطواف واجب. والثاني أنه يجب إيقاعه قبل عرفة. فأما تسميته طواف القدوم واجبا فقد صرح بذلك في المدونة والرسالة وغيرهما، وذكره ابن عرفة وغيره وقبلوه. وقال ابن عبد السلام: وقد أطلق عليه في المدونة في غير موضع الوجوب. وزعم غير واحد أنه ليس بواجب وأن إطلاق الوجوب عليه في المدونة على سبيل المجاز وهو بعيد لمن تأمل لفظه مع تكراره لذلك. واعلم أن طواف القدوم من أفعال الحج التي اختلفت عبارة أهل المذهب فيها، فمنهم من يعبر عنها بالوجوب، وبعضهم بالسنة.
والتحقيق فيها أنها واجبة وأن في إطلاق السنة عليها مسامحة كما بينت ذلك أول الباب، وفي الكتاب الذي جمعته في المناسك المسمى (هداية السالك المحتاج إلى بيان أفعال المعتمر والحاج) وفي قوله وجب إشارة إلى المغايرة بين هذا الطواف وطواف الإفاضة، فإن طواف الإفاضة ركن وهذا واجب وليس بركن. وأما كونه يجب إيقاعه قبل عرفة فهذا هو المذهب، وكذا إيقاع السعي بعده. قال ابن عبد السلام: وهو محلهما اتفاقا، فمن تركه أو ترك تقديم السعي بعده وكان قد أحرم بالحج من الحل وليس بمراهق ولا حائض ولا ناس فعليه الدم على المشهور، وإن ترك ذلك نسيانا فلا دم عليه على المشهور. قاله المصنف في توضيحه ومناسكه.
وحكى ابن الحاجب في سقوط الدم قولين، وعزا السقوط لابن القاسم، وعزا في التوضيح القول باللزوم لابن الجلاب والأبهري، وقال ابن عرفة واللخمي والتونسي: ناسيه عامده انتهى.
وفي كلام أبي إسحاق التونسي ما يدل على أن مذهب المدونة لزوم الدم. وصرح ابن الجلاب بأن مذهب ابن القاسم أن لا دم عليه. قال: وإن ترك الطواف والسعي ناسيا والوقت واسع يعني أنه غير مراهق فلا دم عليه عند ابن القاسم. والقياس عندي أنه يلزم الدم بخلاف المراهق.
وكذا قال الشيخ أبو بكر الأبهري. ص: (إن أحرم من الحل) ش: يعني أن من أحرم بالحج من الحل فإنه يجب عليه طواف القدوم وتعجيل السعي بعده، سواء كان آفاقيا أو مكيا أو غيره من المقيمين إذا خرجوا للحل. قال ابن الحاجب: وهما أي الطواف والسعي واجبان قبل عرفة على من أحرم من الحل غير مراهق. ولو خرج من مكة حاضرا أو غيره قال ابن عبد السلام:
يؤمر بهما كل من أحر من الحل وهو غير مراهق، سواء كان من أهل مكة أو غيرها وهو مراده بقوله حاضرا أو غيره. ولأنه قادم على مكة. وقال ابن فرحون: قوله ولو خرج يعني أن طواف القدو والسعي يجبان على القادم الآفاقي وعلى المكي وغيره من المقيمين إذا خرجوا إلى الحل فأحرموا منه ثم دخلوا إلى مكة انتهى. وقال سند: كل من أحرم من منزله من الحرم فهو كمن أحرم من مكة في تأخير الطواف، وإن أحرم هؤلاء من الحل فليعجلوه إلا أن يكونوا مراهقين انتهى. إذا علمت هذا فقوله في التوضيح في شرح قوله ولو خرج من مكة أي أنهما يجبان على القادم ولو كان مكيا خرج إلى الميقات لا مفهوم له أعني قوله خرج للميقات