فتح العزيز - عبد الكريم الرافعي - ج ٣ - الصفحة ٢٢٤
محراب الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة نازل منزلة الكعبة لأنه لا يقر على الخطأ فهو صواب قطعا وإذا كان كذلك فمن يعاينه يستقبله ويسوى محرابه عليه اما بناء على العيان أو استدلالا كما ذكرنا في الكعبة ولا يجوز العدول عنه إلى جهة أخرى بالاجتهاد بحال وفى معني المدينة سائر البقاع التي صلي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ضبط المحراب وكذلك المحاريب المنصوبة في بلاد المسلمين وفى الطرق التي هي جادتهم يتعين التوجه إليها ولا يجوز الاجتهاد معها وكذلك في القرية الصغيرة ان نشأ فيها قرون من المسلمين ولا اعتماد على العلامة المنصوبة في الطريق الذي يندر مرور الناس بها أو يستوى فيه مرور المسلمين والكفار وفى القرية الخربة التي لا يدري انها من بناء المسلمين أو الكفار ولابد من الاجتهاد في هذه المواضع وإذا منعنا من الاجتهاد في الجهة فهل يجوز الاجتهاد في التيامن والتياسر اما في محراب الرسول صلى الله عليه وسلم فلا ولو تخيل عارف بأدلة القبلة أن الصواب فيه أن يتيامن أو يتياسر فليس له ذلك وخياله باطل وأما في سائر البلاد فعلى وجهين أصحهما ولم يذكر الأكثرون سواه أنه يجوز لان الخطأ في الجهة مع استمرار الخلق واتفاقهم ممتنع لكن الخطأ في الانحراف يمنة ويسرة مما لا يبعد ويقال أن عبد الله بن المبارك كأن يقول بعد رجوعه من الحج تياسروا يا أهل مرو والثاني أنه لا يجوز لان احتمال إصابة الخلق الكثير أقرب وأظهر من احتمال إصابة الواحد وهذا يستوى فيه الجهة والانحراف يمنة ويسرة وفصل القاضي الروياني وغيره بين البلاد بعد المدينة فجعلوا قبلة الكوفة صوابا يقينا كقبلة المدينة لأنه صلي إليها الصحابة ولم يجعلوا قبلة البصرة يقينا وقضية هذا الكلام جواز الاجتهاد في التيامن والتياسر في قبلة البصرة دون الكوفة وفيما علق عن ابن يونس القزويني مثل هذا الفرق فإنه قال قبله الكوفة قد صلي إليها علي كرم الله وجهه مع عامة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ولا اجتهاد مع اجماع الصحابة رضي الله عنهم قال واختلف أصحابنا في قبلة البصرة فمنهم من قال هي صواب أيضا كقبلة الكوفة ومنهم من جوز فيها الاجتهاد وفرق بان قبلة الكوفة نصبها علي رضي الله عنه وقبلة البصرة نصبها عتبة بن غروان والصواب في فعل علي رضي الله عنه أقرب ثم حكى في قبلة سائر البلاد وجهين وجعل أصحهما جواز الاجتهاد فيها وهذا أن عنى به الاجتهاد في الجهة من أصلها فهو بعيد بمرة بل الذي قطع به معظم الأصحاب منع ذلك في جميع البلاد في المحاريب المتفق عليها بين أهلها وان عنى به الاجتهاد في التيامن والتياسر فالفرق بين الكوفة والبصرة كما نقله الروياني
(٢٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 ... » »»
الفهرست