يكون في ذلك رجوع من أحدهما، ولا نزاع وأما قوله سبحانه: * (ولا يضار كاتب ولا شهيد) * (15) فهو نهي من الله عز وجل للكتاب أن يمتنعوا من الكتاب كما علمهم الله، وللشهود أن يمتنعوا من أداء الشهادة على الحق إذا دعوا كما أمرهم الله، ثم أخبرهم أنه من فعل ذلك فإنه اثم قلبه، وأما قوله سبحانه: * (وأقوم للشهادة) * (16) فإنه أعدل وأثبت إذا كان في الكتاب وكانت على الغريم الشهود به والبينة، فحينئذ لا يستطيع الغريم أن يدفع غريمه ولا أن ينتقص حقه، وأما قوله عز وجل: * (وأن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة) * (17) فإنه يقول: إن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا، أو ما يكون به الكتاب من الدواة والقرطاس فليكن رهان مقبوضة بدلا من الشهود والكتاب، والرهان المقبوضة فهو الرهن المسلم إلى صاحب السلعة، وأما قوله عز وجل: * (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) * (18) فهو نهي منه للشهود أن يكتموا ما يعلمون من شهادتهم والكتمان فقد يكون بمعان وأسباب فمنها الجحدان للشهادة ومنها التعلل من الشاهد على المستشهد له بعلة ليست له عند الله بعلة، أو بالتشاغل عن إقامة شهادته بأمر لا يكون له فيه عند خالقه حجة، وأما قوله عز وجل: * (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أؤتمن أمانته وليتق الله ربه) * (19) فهذه آية منسوخة نسخها قول الله سبحانه: * (يا أيا الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل) * (20).
(٣٣)