ها أنذا اليوم أكملت السنة الخامسة عشرة من عمري، لم أدرك حين أفقت من نومي صبيحته أن يومي هذا سيكون مسكونا بالدهشة، والمفاجأة، والترقب والزهو والانبهار، ممهورا بالمتعة، والشغف، والمحبة ولذة الاكتشاف. يوما سينقلني من مرحلة سلفت، ويضعني على أعتاب مرحلة أخرى بدأت.
استيقظت مبكرا كعادتي كل يوم، وما أن أنهيت واجباتي اليومية المعتادة - تلك التي تفصل بين يقظتي وجلوسي إلى مائدة الافطار - الصباحي - حتى أبصرت على وجه أبي شيئا ما مختلفا عما كنت آلفه منه كل يوم، شيئا ما جعلني أخمن أن أمرا يخصني بات يراوده ويشغله، ويستأثر باهتمامه. فالعينان المفتوحتان أكثر من المعتاد، كما لو كانت تحدقان في الفراغ، والشفتان المضمومتان الملمومتان بعض الشئ كما لو كانتا تتهيئان لقول مثير، تهم أن تفضي به ثم تمسك، والأصابع التي تنقر بانتظام وتتابع نقرات وقورة على مائدة الافطار تنبئ بأن القلب ممتلئ بعصارة أمر هام، ويوشك لفرط امتلائه أن يفيض.
وما أن جلست قبالته على الطرف الثاني من المائدة حتى بادرني وفي عينيه فرح رزين مكتوم قائلا:
- اليوم يا بني ودعت مرحلة سلفت من عمرك، واستقبلت مرحلة جديدة بدأت... اليوم أصبحت في نظر المشرع الاسلامي رجلا تام الأهلية لأن تكلف.. اليوم من الله عليك فخاطبك بالتكليف، وتلطف فأمرك ونهاك.