ولا خلاف بأن الشريعة الإسلامية لا تحرم الأكل مع السلاطين والحكام، ولكنها نبهت على خطره، مغبة أن يحمل الآكل - لا سيما إذا كان من الفقهاء - كرها على الإفتاء بما يوافق هوى السلاطين والحكام. وهذا من البداهة بمكان لا يخفى على أحد.
قال ابن قتيبة الدينوري (ت / 276 ه): لا تكونن صحبتك للسلطان إلا بعد رياضة منك لنفسك على طاعتهم في المكروه عندك، وموافقتهم فيما خالفك، وتقدير الأمور على أهوائهم دون هواك (1).
ولهذا نجد الإمام أبا حنيفة قد أوصى أبا يوسف في أيامه الأخيرة بقوله: وإذا رأيت من سلطانك ما لا يوافق العلم، فاذكر ذلك مع طاعتك إياه، فإن يده أقوى من يدك.
تقول له: أنا مطيع لك في الذي أنت فيه، سلطان ومسلط علي، غير أني أذكر من سيرتك ما لا يوافق العلم، وانصحه في الدين، وناظره إن كان مبتدعا (2) إلى آخر ما جاء في هذه الوصية القيمة.
وفي مقابل هذا نجد أن في بعض ما صدر من فتاوى لأبي يوسف، لا ينسجم مع فقه الأحناف بالمرة، وليس له من تفسير غير التقية، ولا نعني بهذا الغض من أبي يوسف، وإنما نعني به كثرة الضغوط التي كان يواجهها - بحكم كونه قاضي القضاة في الإسلام - مما لا مفر له منها بغير التقية، ولا غضاضة عليه في ذلك، لأن الشريعة الغراء التي أباحت الكفر - وهو من أفظع الأشياء - عند الإكراه على القتل أو الوعيد المتلف، لا شك أنها تبيح للفقيه الفتيا بخلاف الواقع الذي يعلمه، إن خاف على نفسه التلف.