وربما تسمى الأشجار الساترة بوفور أغصانها والتفافها جنة، بل قيل إنه الأصل في معناها، وإنما يسمى البستان بها لاشتماله عليها.
و قيل في تسمية البستان جنة وجوه أخر:
منها: أن مغارس الأشجار بسترها أصولها عن الأنظار.
منها: أن ثمارها تستتر حينا ثم تبرز.
و منها: أنها تستر عن الناس بالحيطان.
و منها: أن صاحب البستان يصون به عرضه ويستره.
و أما تسمية جنة الآخرة بالجنة، فإما لكونها كبساتين الدنيا بساتين مشتملة على الأشجار، وإما لاستتار ما فيها من النعم عنا، كما قال سبحانه: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين). (١) «الأمر» طلب المستعلي فعلا سواء كان بإفعل وليفعل أو بغيرهما مما يفيد مفادهما، وإن كان بصورة الخبر كقوله تعالى: ﴿والمطلقات يتربصن بأنفسهن﴾ (٢) أو كان إشارة أو غيرها، ولذا سمي ما رآه إبراهيم صلوات الله عليه وعلى آله في منامه من ذبح ابنه أمرا حيث قال: ﴿يا أبت افعل ما تؤمر﴾ (٣).
وكثيرا ما يراد بالأمر المنسوب إلى الله سبحانه الإرادة والقضاء الحتم، كما قال: ﴿إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون﴾ (4) فليس هناك إلا إرادة وقضاء، وليس فيه لفظ يكن ونحوه، وإنما يعبر بالأمر دلالة على نفود إرادته وقضائه كما ينفد الأمر في المأمور المطيع، وهذا المعنى هو المراد في البيت.