خزانة الأدب - البغدادي - ج ١١ - الصفحة ٣٣٤
وهذا الكلام ومن أمثاله من أقاويل العشاق على سبيل الشكوى من صد الأحباب وبعدهم بعد الدنو والاقتراب ومر هجرانهم عقب حلو الوصال وبخلهم على مساكين العشق بطيف الخيال ليس بذم صرف إنما يوردونه لأحد غرضين: إما لإظهار التلذذ بالصبر على ما يفعله المعشوق والرضا بأفعاله كما قال ابن أبي الحديد: الكامل * متغير متلون متعنت * متعتب متمنع متدلل * ذكر عدة خصال من جناية الحبيب وتجنيه تلونه وتأبيه.
ثم قال بعد ذلك:
* أستعذب التعذيب فيه كأنما * جرع الحميم هي البرود السلسل *) وإما لتنفير من يسمع بحسن معشوقهم عن عشقه بذكر بخله بوصاله وتعنته ودلاله فيصفو مورد العشق من كدر الغيرة والمزاحم ويخلو العاشق بما يجلو بصره من المشاهدة.
* أشكو إليها رقتي لترق لي * فتقول تطمع بي وأنت كما ترى * * وإذا بكيت دما تقول شمت بي * يوم النوى فصبغت دمعك أحمرا * * من شاء يمنحها الغرام فدونه * هذي خلائقها بتخيير الشرا * وقد صرح به ابن أبي الحديد في قوله: الطويل * فيا رب بغضها إلى كل عاشق * سواي وقبحها إلى كل ناظر * وقد بالغ ابن الخياط في تصريحه بغيره العشاق فأحسن حيث قال: الطويل * أغار إذا آنست في الحي أنة * حذارا وخوفا أن يكون لحبه * وربما عيب على كعب هذا الكلام لأنه يشعر بأن معشوقته تعد وتخلف وتبدل ويجاب بأن مراده المبالغة في فرط دلالها وبخلها بوصالها بحيث لو صاحبت إنسانا لاستبدلت به وفجعته ول وعدت بالوصل لكذبت في وعدها ومطلته على أنها لا تصاحب مصادقا ولا تعد بوصالها عاشقا وهو قريب من قول
(٣٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 329 330 331 332 333 334 335 336 337 338 339 ... » »»