خزانة الأدب - البغدادي - ج ٦ - الصفحة ٣٦٢
وذلك أني سئلت عن قول الراجز: وقول إلا ده فلا ده) فذكرت أن هذه من باب كلمات نابت عن الفعل فعملت عمله. وده في كلام العرب بمعنى صح أو يصح. ألا ترى أن قوما جاؤوا إلى سطيح الكاهن وخبؤوا له خبيئة وسألوه فلم يصرح فقالوا: لا ده. أي: لا يصح ما قلت. فقال لهم: إلا ده فلا ده حبة بر في إحليل مهر فأصاب.
فكأنه قال: إلا يصح فلا يصح أبدا لكني أقول في المستقبل ما تشهد له الصحة. فكان كما قال. إلا أن التنوين في هذه الكلمة ليس كتنوين رجل وفرس ولكنه تنوين تنكير. هذا كلامه.
وحذفت منه ما لا حاجة لنا إليه. وأجاب ابن بري: إن قولك ده اسم من أسماء الفعل ليس بصحيح على مذهب الجماعة ومن له حذق في هذه الصناعة. والصحيح أنها اسم الفاعل من دهي فهو داه وده والمصدر منه الدهي والدهاء. فيكون المراد بده فطن لأن الدهاء الفطنة وجودة الذهن فكأنه قال: إلا أكن دهيا أي: فطنا فلا أدهى أبدا أي: فلا أفطن. فهذا أصله ثم أجريت هذه اللفظة مثلا إلى أن صارت يعبر بها عن كل فعل تغتنم الفرصة في فعله. مثل ذلك أن يقول الإنسان لصاحبه وقد أمكنته الفرصة في طلب ثأر: إلا ده فلا ده أي: إلا تطلب الآن ثأرا فلا تطلبه أبدا وهذا الرجز لرؤبة. وقبله:
* فاليوم قد نهنهني تنهنهي * وأول حلم ليس بالمسفه * وقول: إلا ده فلا ده
(٣٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 357 358 359 360 361 362 363 364 365 366 367 ... » »»