وأجابوا عن الدليل الأول بأنه لا حجة في البيت فإن أصله كلتا، حذفت الألف ضرورة واكتفى عنها بفتحة التاء، كما قال الشاعر: (الرجز) * وصاني العجاج فيما وصني * أراد وصاني. وقال الآخر: (الوافر) * فلست بمدرك ما فات مني * بلهف ولا بليت ولا لو أني * أراد بلهفى، فحذفت الألف منهما ضرورة، مثله كثير.
أقول: استدلالهم بهذا البيت على الإفراد يرده معناه، فإن المعنى على التثنية، بدليل تأكيده بالمصراع الثاني، فتأمل.
وأجابوا عن الدليل الثاني بأنها إنما قلبت في حال الإضافة إلى المضمر لوجهين: ' أحدهما ': أنه لما كان فيهما إفراد لفظي وتثنية معنوية، وكانا تارة يضافان إلى المظهر وتارة إلى المضمر، جعلوا لهما حظا من حالة الإفراد وحظا من حالة التثنية. وإنما جعلوهما مع الإضافة إلى المظهر بمنزلة المفرد لأن المفرد هو الأصل؛ وجعلوهما مع الإضافة إلى المضمر بمنزلة التثنية لأن المضمر فرع والتثنية فرع، فكان الفرع أولى بالفرع.
و ' الثاني ': أنه لم تقلب ألفهما مع المظهر لأنهما لزمتا الإضافة وجر الاسم بعدهما، فأشبهتا لدى، وإلى، وعلى. وكما أن هذه الثلاثة لا تقلب ألفها مع المظهر وتقلب مع المضمر، وكان ' كلا ' و ' كلتا ' كذلك. ويدل على صحة ذلك أن القلب فيهما يختص بحالة النصب والجر دون الرفع، لأن لديك إنما تستعمل في حالة النصب والجر، دون الرفع، فلهذا المعنى كان القلب مختصا بهما دون حالة الرفع.